أتمناكم جميعاً بخير، غير اني لست نادمة أبدا على بعدي منكم. فقد طرأت على حياتي وشخصيتي تغيرات وتحولات جدية وكثيرة. وأنا لست بصدد الاعتذار لأن التغيير شيء مهم ومفيد. قضيت معظم سني المراهقة مع شعور بالذنب لتركي أصدقاء الطفولة لكني لم أمض يوماً من سنين الرشد شاعرة بالذنب لإهمالي معظم أصدقاء المراهقة على رغم تأنيب أهلي واعتباري"قليلة الأصل"واتهامي بالأنانية وعدم الالتفات الى الماضي ومن فيه. لكن هؤلاء الذين يصبون اللوم علي لا يعرفون كم جاهدت للتعرف الى أشياء وأشخاص آخرين بعيدين كل البعد من المحيط الذي ولدت فيه. بالنسبة الي لا يمكن بناء المستقبل على الذكريات فهي لا تمدك بالقوة لخوض المغامرات والتجارب. تبقيك خائفاً شبه مهووس بالتعلم من سوابقك مسكونا في ماضيك تعيش مع أهله في بيت أهلك وأنت لا تطيق فكرة أن تتناول طعام والدتك وتلهو مع أخيك الصغير في المساء. وهذه أشياء جميلة ولا شك لكنها ليست سبب وجودنا وعلة كياننا. وأنا ان لم أنجح في تجاربي أكون على الأقل حاولت وتعلمت من أحلامي والمدن التي سكنتها والعلاقات التي خسرتها وطعام أمي الذي اشتهيته. أصدقائي السابقين، نعم أنا تغيرت. فلم ترددون علي هذه العبارة كلما التقينا بتعجب وبعض العتب؟ هل من الطبيعي أن نولد في بلد مجنون كبلدنا في مرحلة بائسة كالتي ولدنا فيها ونمر بسنين المراهقة الشقية ونخوض سنين الرشد واختيار مهن ومحاولات صعبة لتأمين عيشنا يضاف إليها الكثير من العلاقات المضطربة من دون ان نتغير؟ أصدقائي، يكفي كتاب واحد لتغييري في ليلة مطالعة طويلة. كان على شابين من جامعة هارفرد اختراع موقع"فايس بوك"لتجدوني وتروا صوري الجديدة وتعلقوا على اعمالي. تباً لپ"فايس بوك"أنا سأخبركم"وين هالغيبة؟": في لبنان تركت الكثير منكم للعيش في بيروت وهي أكبر ما يمكن ان تفعله ببلد صغير كلبنان والعيش خارج بيروت أصبح شبه مستحيل لا بل ريفي بامتياز. ولبيروت زحمتها واهتماماتها ونمطها الخاص. لكن العيش ما يلبث أن يصبح ضيقا بدوره فتترك أصدقاءك البيروتيين باحثاً عن مدن أكبر وأكثر غربة. والغربة جميلة وان كانت صعبة. اشتقت إليكم لا أنكر. خصوصاً الذين جمعتني بهم شوارع العاصمة ببؤسها وجمالها وتناقضاتها. في أحيان كثيرة أشتاق لأيامنا السابقة واستنجد بشعور الأمان في وجوهكم حين أجد نفسي في محطة قطار نائية في ساعة متأخرة من ليل بريطانيا. لكني أيضا تعلمت الفردية وهو شعور مطمئن بحد ذاته يجعلك تكره المجموعات الكبرى والعائلات المتشعبة والأحزاب والطوائف والأصدقاء وشللهم. أصدقائي السابقين علكم تجدون أصدقاء جدداً إن أردتم، وعلني أصادفكم في مكان ما في العالم او في مدينتنا الحبيبة وقد تغيرتم. وأعدكم بألا أصرخ في وجهكم"كم تغيرتم". ما أجمل الصدفة حينها!