ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في مدينة غزة أمس قُتل فيها 19 فلسطينياً، بينهم خمسة مدنيين ونجل القيادي البارز في حركة "حماس" وزير الخارجية السابق الدكتور محمود الزهار، كما جُرح أكثر من 45 آخرين بينهم 12 في حال خطيرة. واستنكر الرئيس محمود عباس"المذبحة"، فيما دانتها حكومتا غزة برئاسة إسماعيل هنية ورام الله برئاسة الدكتور سلام فياض. وقدمت الأخيرة التعازي للزهار، على رغم العداء الشديد بين الطرفين. وقالت مصادر محلية وحقوقية ل"الحياة"إن نحو عشر دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية توغلت لمسافة نحو كيلومترين في المنطقة الجنوبيةالشرقية من حي الزيتون في جنوب مدينة غزة صباح أمس، بتغطية من مروحيات حربية إسرائيلية وطائرات استطلاعية. وأضافت أن الآليات والدبابات شرعت في إطلاق النار وقذائف المدفعية في اتجاه المواطنين والمزارعين والناشطين الفلسطينيين، خصوصاً المرابطين الذين يحرسون عادة مناطق التماس والمناطق الحدودية لقطاع غزة. وأشارت إلى أن دبابة إسرائيلية أطلقت قذيفة مدفعية، ما أدى إلى مقتل مواطن، قبل أن تعود وتطلق قذيفة أخرى سقطت قرب مدرسة تونس الثانوية في حي الزيتون، وأسفرت عن مقتل طالب في ريعان الشباب. ودارت اشتباكات مسلحة عنيفة بين مجموعات من الأجنحة العسكرية التابعة لعدد من فصائل المقاومة الفلسطينية، بينها حركتا"حماس"و"الجهاد الاسلامي". وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان إن 17 شهيداً سقطوا في هذه العملية التي استمرت أربع ساعات ونصف الساعة فقط، بينهم خمسة من المدنيين لا علاقة لهم بالمواجهات الدائرة في الحي. والشهداء هم: حسام الزهار 24 عاماً، وهو نجل الدكتور الزهار ويعمل مدرساً في إحدى المدارس التابعة لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"أونروا"، وعبدالسلام أبو لبن 19 عاماً وهو طالب ثانوي، ورامي فرحات 30 عاماً، وعاهد عاشور 27 عاماً، ومحمود أبو لبن 21 عاماً، وسليم المدلل 20 عاماً، وفخر زويد 27 عاماً، ومصطفى سلمي 20 عاماً، ومصعب سلمي 21 عاماً، ومحمد حجي 20 عاماً، ومحمود هنا 20 عاماً، وعبدالله سالم 23 عاماً، وشهيد لم تعرف هويته بعد، وأيمن ملكه 35 عاماً، وهو تاجر سيارات وجد بالصدفة في المنطقة، وثلاثة مزارعون هم: أسعد طافش 65 عاماً، ومروان عودة 22 عاماً، وسعيد السموني 50 عاماً. وعمّ حزن وغضب شديدان قطاع غزة في أعقاب هذه المجزرة البشعة. وشيع آلاف الفلسطينيين الشهداء إلى مثواهم الأخير في جنازات غاضبة وصاخبة عمّها التنديد والاستنكار ومطالبة الأجنحة العسكرية بالرد بقوة على هذه المجزرة التي وقعت في وقت كان المنسق الخاص لنشاطات الأممالمتحدة في الأراضي الفلسطينية سفير المنظمة الدولية لدى منظمة التحرير الفلسطينية روبرت فيري يقوم بجولة في مدينة غزة. وبعد ساعات، أعلنت مصادر طبية أن فلسطينيين قُتلا وأربعة آخرين جرحوا في قصف إسرائيلي على بيت حانون في شمال قطاع غزة. وقال مدير الطوارئ معاوية أبو حسنين إن الشهداء والجرحى سقطوا"نتيجة سقوط صاروخ أرض - أرض إسرائيلي على بيت حانون". الزهار يتعهد الرد ورد الزهار الثلثاء متعهداً الرد على الإسرائيليين"باللغة التي يفهمونها". وقال بعد وصوله إلى مستشفى الشفاء في غزة لوداع نجله حسام:"هذه أولى نتائج زيارة بوش ... لقد شجع الإسرائيليين على قتل شعبنا. وسنرد باللغة التي يفهمونها". واعتبر مقتل نجله"ضريبة ندفعها من دمائنا ودماء أبنائنا". ورأى هنية أن"ما حصل اليوم يؤكد أن القادة وأبناء القادة هم في المقدمة". وأضاف:"نحن ماضون نحو تحقيق أحلام الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال". وطالب:"أمتنا العربية والاسلامية بالوقوف أمام هذه المجازر التي يرتكبها المحتل ضد الشعب الفلسطيني". عباس يندد ولاقت المجزرة ردود فعل قوية وتنديداً واسعاً من قبل الرئاسة الفلسطينية والحكومتين في غزة ورام الله والفصائل والقوى الوطنية والإسلامية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان. ودان الرئيس محمود عباس الهجوم، واصفاً إياه ب"المذبحة والمجزرة"، فيما رأى رئيس الوفد المفاوض أحمد قريع أن"استمرار هذه المذابح يجعل المفاوضات عبثية". وقال عباس للصحافيين عقب غرس شجرة في محيط ضريح الزعيم الراحل ياسر عرفات لمناسبة يوم الشجرة إنه"لمن المؤسف أن إسرائيل ما زالت في كل يوم وكل ساعة تمارس عدوانها على أهلنا وشعبنا في غزةوالضفة الغربية. هناك مجزرة ومذبحة". وأضاف:"نقول للعالم ولإسرائيل إنه لا يمكننا السكوت على هذه الجرائم". حكومة فياض تعزي الزهار وفي تطور لافت، قدم وزير الإعلام في حكومة فياض الدكتور رياض المالكي التعازي للدكتور الزهار باستشهاد نجله حسام، على رغم العداء الشديد بين الطرفين منذ سيطرة"حماس"على القطاع في 14 حزيران يونيو الماضي. ودانت حكومة فياض الهجوم. وقالت في بيان تلاه المالكي إن"هذا الاعتداء الجديد يؤكد مرة أخرى أن الاحتلال الإسرائيلي يجب أن يزول بسرعة، ويجب وقف هذه الاعتداءات التي تهدف إلى ضرب ثقة المواطن بقيادته". واضاف:"على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن لا يقف موقف المتفرج أمام هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق شعبنا". وأكد أن الحكومة بدأت تحركاً عاجلاً لوقف هذا"الاعتداء السافر". حكومة هنية واعتبرت حكومة الوحدة الوطنية المُقالة برئاسة إسماعيل هنية أن المجزرة كانت متوقعة. وندد الناطق باسم الحكومة طاهر النونو في مؤتمر صحافي عقده في مدينة غزة عصر أمس بالمجزرة. وتقدم بالعزاء إلى الدكتور الزهار وبقية أهالي الشهداء باسم الحكومة. واعتبر أن المجزرة كانت متوقعة في اعقاب لقاء قريع ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أول من أمس. وقال إن"المجزرة جاءت تأكيداً لما حذرنا منه، وقلنا إن الاحتلال يستغل اللقاءات العبثية التفاوضية لارتكاب المجازر وقتل أكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين، ويقدم مشاريع الوهم والخداع للمفاوضين"الفلسطينيين. ورأى ان"المجزرة ثمرة للزيارة النكدة للرئيس الاميركي جورج بوش إلى الاراضي الفلسطينية الاسبوع الماضي والتي أعطت فيها الضوء الأخضر للاحتلال لارتكاب المزيد من المجازر وأعمال القتل والإرهاب لتحقيق رؤيته على اغتصاب الحقوق وفرض التنازلات". وشدد على أن"هذه الدماء التي سالت لن تزيدنا إلا تصميماً على مواصلة طريقنا التي سلكناها، والتمسك بأهداف شعبنا وحقوقه الوطنية، وعدم التفريط بها، وعدم تقديم أي تنازلات". ودعا السلطة الفلسطينية إلى"الوقف الفوري لكل أشكال التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، التي تعطي الضوء الأخضر لهذه المجازر"، معتبراً أنه"من العار استمرار تقبيل وجنات وأيادي المحتل التي تقتل أبناءنا ليلاً ونهاراً". وقال إن"الحكومة أعلنت الحداد العام لثلاثة أيام في كل المناطق الفلسطينية"، مشيراً إلى أن"الأعلام ستُنكس تنديداً بالجريمة الاسرائيلية". وندد قريع بالمجزرة، معبراً عن استنكاره الشديد لها. وقال قريع في تصريح صحافي ان"هذه المذابح التي تترافق مع استمرار حصار أهلنا في القطاع الباسل وعمليات الاجتياح اليومي لمدن الضفة الغربية وقطاع غزة، مع استمرار الاستيطان، تعقد الأمور وتضع العراقيل أمام المفاوضات وتجعلها عبثية، إذا لم يوضع حد لهذه الانتهاكات". وطالب اللجنة الرباعية الدولية والولايات المتحدة"بتحمل مسؤولياتها والإسراع بعقد اجتماع للجنة الثلاثية الفلسطينية - الاسرائيلية - الاميركية لمتابعة هذه الانتهاكات وتحديد المسؤولية عنها والجهة المسؤولة عن تعطيل عملية المفاوضات". "حماس"تطالب بوقف المفاوضات وطالبت حركة"حماس"في بيان لها بوقف"المفاوضات العبثية"مع إسرائيل. وقال الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري في تصريح صحافي إن"المفاوضات مع الاحتلال عبثية وعديمة الجدوى"، مضيفاً ان"التصعيد الاسرائيلي على غزة يأتي ثمرة طبيعية لزيارة بوش والغطاء الذي وفره لحكومة الاحتلال لتوسيع حربها، خصوصاً على قطاع غزة". واعتبر القيادي في حركة"الجهاد الاسلامي"نافذ عزام أن هذه المجازر"تأتي في سياق الحرب المستمرة لضرب المقاومة واستهداف الشعب الفلسطيني". وقال إن"هذا التصعيد لن يجبر شعبنا على تقديم التنازلات وفروض الطاعة للعدو والادارة الاميركية مهما عظمت التضحيات وتفاقمت المجازر التي يتعرض لها". وأضاف أن"المجزرة المستمرة في غزة تثبت زيف وكذب الادعاءات الاسرائيلية والاميركية حول ما يسمى عملية التسوية والسلام المزعوم مع العدو". "كتائب القسام"تطلق صواريخ للمرة الأولى ورداً على المجزرة، أطلقت"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة"حماس"، خمسة صواريخ على بلدة سديروت اليهودية الواقعة شمال شرقي بلدة بيت حانون شمال القطاع ويفصلها عنه كيلومتر واحد تقريباً وسياج الكتروني، وتقع في الشمال الغربي لصحراء النقب. وجرح 8 إسرائيليين جراء سقوط الصواريخ في البلدة، التي أعُلنت فيها حال الطوارئ. وقالت"كتائب القسام"في بيان ثان إنها قتلت مستوطناً يهودياً في كيبوتس"عين هاشلوشاه"الواقعة إلى الشرق من بلدة عبسان شرق خان يونس جنوب القطاع. وأضافت أن المستوطن قُتل"خلال عملية قنص وإطلاق نار من الاسلحة المتوسطة وقذائف الهاون". لكن اتضح لاحقاً أنه متطوع من الإكوادور. ونددت الجبهتان الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب وفصائل أخرى بالمجزرة. وطالب ناطق باسم"الشعبية"في تصريح صحافي"القيادة الفلسطينية وجامعة الدول العربية بالتحرك العاجل لدى المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي لوقف المجازر الدموية وحرب الإبادة التي تُقترف في حق السكان المدنيين وأبناء الشعب الفلسطيني". وطالب"بوقف فوري للقاءات مع الجانب الاسرائيلي التي بات يستغلها للتغطية على جرائم الحرب التي تُقترف صباحاً ومساءً ولترسيخ الانقسام وتضليل الرأي العام المحلي والعالمي". ودانت"الديموقراطية""العمليات الاجرامية الخطيرة والتصعيد الاسرائيلي". واعتبرت أنها"تهدف إلى استمرار حال التوتر والعنف، وقطع الطريق على التحركات السياسية والاستحقاقات المترتبة عليها". ورأت ان ما يقترفه الاحتلال"من جرائم ضد أبناء شعبنا إنما يأتي ضمن سياسة إسرائيل لخلط الأوراق ومواصلة سياستها التوسعية واستغلال اللقاءات الفلسطينية الاسرائيلية لصالحها". وشددت على أن هذه"الممارسات الاسرائيلية مهما بلغت فظاعتها لن تكسر إرادة شعبنا، ولن تثنيه عن مواصلة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال". وطالب"حزب الشعب"في بيان صحافي"بضرورة التوحد أمام آلة البطش الاسرائيلية". واعتبر أن"زيارة بوش أعطت الضوء الاخضر للاحتلال لشن عدوان على قطاع غزة"، واصفاً المجزرة في حي الزيتون بأنها"حملة عسكرية جنونية". البيت الأبيض وقال الناطق باسم البيت الأبيض غوردون جوندرو إن"من الواضح أن هناك متشددين يحاولون إخراج عملية السلام عن مسارها. ونأمل من الاسرائيليين تحري الدقة في ضرباتهم ضد المتشددين، وندعو الفلسطينيين إلى الكف عن قتل الإسرائيليين الأبرياء".