دشنت دول مجلس التعاون الخليجي العام الجديد بإطلاق "سوق مشتركة"، يتوقع ان تدعم اقتصاداتها وتقوي موقفها التفاوضي مع"التكتلات"العالمية، وتعزز قدرتها التنافسية في"الاقتصاد العالمي الجديد"، الذي تتجلى ملامحه في التجمعات الإقليمية ودمج الشركات، ولا مكان فيه لمن يعمل منفرداً. وتراهن دول الخليج التي تملك 45 في المئة من احتياط العالم من النفط، ويتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 720 بليون دولار، على قوتها الاقتصادية التي تعززت مع الارتفاع القياسي لأسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية، ما سمح لها بتحقيق فائض في موازناتها تجاوز ثلاثة تريليونات دولار وينتظر ان يرتفع الى 12 تريليوناً خلال السنوات العشر المقبلة. ومع إطلاق"السوق الخليجية المشتركة"، يأمل مواطنو دول البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات العربية، ويربو عددهم على 38 مليون نسمة، من العيش في أي مكان يختارونه ومزاولة أي نشاط اقتصادي داخل مجلس التعاون الخليجي. وتتيح هذه الخطوة لمواطني الدول المذكورة العمل وتملك العقارات والشركات والأسهم التجارية ومتابعة الدراسة والاستفادة من الخدمات الصحية. وتتطلع السوق الموحدة الى دعم التجارة في المنطقة، لا سيما ان حجمها بين الدول الأعضاء ارتفع من 12.2 بليون دولار في 1980 إلى نحو 33.9پ بليون دولار. ويهدف إنشاء السوق إلى إذابة الفروقات والاختلاف في السياسات الاقتصادية الوطنية لتوحيد قوى العرض والطلب ودمجها في الدول الأعضاء، من طريق التحرير الكامل للتجارة بالسلع والخدمات وعناصر الإنتاج. وعلى رغم تأكيد محللين اقتصاديين ورجال أعمال خليجيين تحدثت اليهم"الحياة"، بأن إطلاق"السوق الخليجية المشتركة"خطوة تاريخية"تصب في مصلحة اقتصاد المنطقة ومواطنيها، وتؤدي الى"زيادة سرعة معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى التشغيل والإنتاج, وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وإيجاد فرص عمل جديدة وتنمية المهارات والقدرات الذاتية، وزيادة الاهتمام بتحسين الأوضاع الاجتماعية للدول الأعضاء"، إلاّ أن بعضهم يبدي ملاحظات، ويرى المحلل الاقتصادي عبد الخالق عبدالله، ان إطلاق"السوق الخليجية المشتركة""يحمل في طياته تحديات تشريعية وفنية كثيرة لضمان نجاحها على المدى البعيد"، أهمها"تفكيك التشريعات وإعادة صوغها بما يتلاءم مع الواقع الجديد ويفترض انه يزيل الحواجز كلياً للأفراد والبضائع، بهدف بلوغ وحدة اقتصادية متكاملة، على شاكلة الاتحاد الأوروبي". ويشير عبدالله الى ان"اتخاذ قرار إطلاق السوق الخليجية المشتركة من جانب قادة دول المجلس، لا يعني وجود اتفاق على كل الامور الفنية، لتضمن نجاح السوق في المستقبل القريب، اذ ينتظر من المنطقة تعديل قوانينها المحلية، حتى تتوافر فرصة لنجاح الوحدة على المدى الطويل". ويرى إن عدم التوصل إلى عملة خليجية واحدة يظل أحد عوائق استكمال السوق، لا سيما ان المسؤولين في المنطقة باتوا يتحدثون عن عدم إمكان إطلاقها في عام 2010، بسبب اختلافات"فنية"بين دول مجلس التعاون.پ ويتوقع محللون اقتصاديون ان تؤدي"السوق الخليجية المشتركة"إلى تأجيج التضخم في الدول الأعضاء، فهو تجاوز في بعضها 10 في المئة العام الماضي، على خلفية الزيادة الكبيرة في بدل الإيجارات وارتباط عملاتها بالدولار الذي تراجع خلال السنوات الثلاث الماضية بصورة كبيرة في مقابل العملات العالمية الأخرى. ويخشون ان تواجه المنطقة صعوبات أخرى، في المدن التي تشهد طفرات اقتصادية كبيرة، وأن تؤدي الهجرة المتوقعة بين دول المنطقة إلى ضغوط إضافية على قطاع الإسكان والبنية التحتية والتعليم والخدمات الصحية في البلدان التي تنعم بمستويات معيشة مرتفعة مثل الإمارات العربية وقطر. وعلى رغم ان عبدالله قال ان إطلاق السوق الخليجية المشتركة"خطوة في الاتجاه الصحيح"، غير انه توقع ان"تخلق مزاحمة ومنافسة في العمل بين مواطني دول المنطقة، التي تسعى، من دون استثناء، الى توطين الوظائف لحل ازمة"التركيبة السكانية"، في منطقة يزيد عدد الوافدين الأجانب اليها على عدد المواطنين. ومن التحديات الأخرى التي تواجه نجاح"السوق الخليجية المشتركة"في توقيع دول خليجية اتفاقات اقتصادية"منفردة"مع دول غير خليجية، ما يثير مخاوف حول مصير التعاون الاقتصادي المشترك، إضافة إلى فشل دول الخليج مجتمعة في إبرام اتفاقات للتجارة الحرة مع كتل اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي. اما رجل الأعمال الإماراتي سعيد العابدي، فيرى ان المشكلة التي تواجه دول الخليج هي"تشابه اقتصاداتها"المعتمدة على النفط والصناعات البتروكيماوية، إضافة الى تشابه المشاريع أيضاً. وأشار الى"ان إطلاق السوق، يجب ان تتبعه خطوات أخرى، أهمها التركيز على إنشاء صناعات مختلفة في المنطقة، لتتمكن من بلوغ مرحلة التكامل التام، مثل الاتحاد الأوروبي". لكنه، أشار الى ان المنطقة أصبحت الآن اكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية للاستفادة من ميزات السوق الكبيرة، التي تتسم باتساع نطاقها، ما يؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج وانخفاض التكاليف والأسعار وإيجاد سوق كبيرة ومتينة تمكن الدول الأعضاء من الوقوف في وجه السلع والمنتجات الأجنبية. وينتظر ان تؤدي السوق إلى توطين بلايين الدولارات المهاجرة خارج المنطقة، وإلى توفير مزيد من فرص العمل لمواطني دول المجلس. ويرى بعضهم أن أهم المكاسب المتوقعة، ضمان انسياب السلع بين دول مجلس التعاون بما يؤدي إلى زيادة التنافس بين المؤسسات الخليجية لمصلحة المستهلك، بخاصة أن السوق الخليجية تتصف بسيولة عالية وقدرة شرائية واستثمارية لا تتوافر لأي من أسواق المنطقة.