في وقت يقدر نمو صادرات العالم السنة الجارية بنحو أربعة في المئة، تتراجع قيمة صادراتنا بنحو 25 في المئة على أقل تقدير. وماذا عن سنة 1999، وقد غدت قيمة النفط دون قيمة المشروبات الغازية؟ نعم... فلو أردت شراء برميل من الكوكاكولا، مثلاً، فستدفع 40 دولاراً، في وقت يباع برميل النفط بأقل من عشرة دولارات. وبرميل النفط لا يؤدي إلى الاصابة بالسمنة ولا يحد من استفادة الجسم من الطعام كما تفعل المشروبات الغازية، بل له ألف إستخدام إقتصادي، وتقوم عليه صناعة كبيرة. ومن استخداماته الاقتصادية، أن أوروبا تفرض عليه من الضرائب أضعاف قيمته. فعلى سبيل المثال، تتجاوز قيمة الضريبة على البنزين في المملكة المتحدة خمسة أضعاف قيمته. ولا يختلف الأمر كثيراً في ايطاليا وغيرها. وهذه الدول تستبشر عند تراجع أسعار النفط، لأن ذلك يمنحها الفرصة لزيادة الضريبة لتبقى أسعار منتجات النفط على مستواها. أما بالنسبة إلى الدول المنتجة، فإن أي هبوط في سعر النفط الخام يأخذ جزءاً من ايراداتها ويقلل هامش الربح. فما العمل؟ لا بد من الذود عن ايراداتنا من النفط. ولكن السؤال: كيف؟ لعل الخيار المناسب أن نراجع اقتصاديات النفط في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجدوى بقائها مستقلة. فأعمال النفط اقتصادية وليست من أعمال السيادة الوطنية، ولذا ينبغي أن تخضع لفكر إقتصادي يسعى إلى وضع اطار خليجي لصناعة النفط يحافظ على بقائها ويحسن الدخل. والذود عن النفط أمر ضروري، فهو الثروة التي تنقدنا المال وتجذب لنا المستثمرين. وليس في امكان أحد سوانا أن يذود عن النفط، فدول مجلس التعاون أكبر المستفيدين من إزدهاره، وأكبر الخاسرين في حال انهيار أسعاره. وجرت محاولات شتى للذود عن النفط، فمثلاً كان سلاح "أوبك" خلال العام المنصرم هو خفض الإنتاج، ثم حدث ماحدث في اجتماع المنظمة الأخير حول من يجب أن يخفض أكثر. وبالتأكيد لم تحقق استراتيجية "تنشيف" السوق النتائج المرجوة، فلا يزال الفائض يتجاوز 1.5 مليون برميل يومياً طبقاً لبعض التقارير. وكمية مثل هذه ليس في الإمكان تنشيفها، ما يبرز أهمية القيام بعمل ما للتخفيف من آثار الأزمة النفطية على إقتصادات دول مجلس التعاون دون تأخير. فالمسؤولون في هذه الدول يعكفون على اعداد موازنات السنة المالية الجديدة، فيما ترقد أسواق النفط في سبات، ساعة في انتظار خروج اقتصادات آسيا من ركودها، وساعة في انتظار برد قارس يهب على نصف الكرة الشمالي. ولعل المطلوب فعله أمر اتفقت عليه دول مجلس التعاون منذ أعوام طويلة، وتحديداً قبل أكثر من 200 شهر، إذ تنص المادة 11 من الإتفاقية الإقتصادية الموحدة على التالي: "1 - تعمل الدول الأعضاء على تنسيق سياساتها في مجال الصناعة النفطية بجميع مراحلها من استخراج وتكرير وتسويق وتصنيع وتسعير واستغلال الغاز الطبيعي وتطوير مصادر الطاقة. 2 - تعمل الدول الأعضاء على وضع سياسات نفطية موحدة واتخاذ مواقف مشتركة ازاء العالم الخارجي وفي المنظمات الدولية والمتخصصة. الخيارات عدة، وليس هذا مجال تناولها، ولكن ربما يكفي القول إن مهمة الذود عن النفط هي خليجية في المقام الأول، إذ أن معظم احتياطات النفط تكتنزها أرضنا، ومن مصلحتنا، من دون شك، أن يباع بأفضل الأسعار. وإضافة إلى ذلك، يربك انهيار أسعار النفط الدورة الإقتصادية في منطقتنا، فللنفط دور أساس في اقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولذا... من المناسب التفكير جدياً في اعادة هيكلة قطاع النفط في الدول الست، بما في ذلك النظر في جدوى المؤسسات النفطية سوياً. قمة أبو ظبي تعقد قمة أبوظبي للدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في وقت تفتقر سوق النفط العالمية الى الإرتياح. وقدر كبير من عدم الإرتياح دلف الى دول المجلس بحكم أنها نفطية، وأن أسعار النفط هبطت هبوطاً مربكاً. ولكن إذا تركنا السوق العالمية قليلاً نسأل: هل أجواء الخليج العربي الإقتصادية مريحة؟ وهل يجب الحفاظ عليها كما هي عليه الآن؟ وهل في الإمكان أن تضيف القمة إلى جدول أعمالها: أهم المؤثرات الإقتصادية على الإطلاق وهو النفط؟ وليس القصد من الإضافة تناول أوضاع السوق العالمية، فهذا أمر سيناقش حتماً، لكن هل في الإمكان النظر في الشأن النفطي الخليجي بمنظور خليجي؟ ليس من شك في أن مشوارالتنمية الإقتصادية حقق الكثير خلال العقود الثلاثة الماضية على وجه التحديد. وعلى مدى الأعوام الخمسين الماضية كان النفط هو الممول الأساس للتنمية في دول المجلس، ومكنت ايرادات الحكومات في دول المجلس من الإنفاق بسخاء على التعليم والصحة والخدمات الشخصية والإجتماعية للسكان، ومن تشييد بنية تحتية حديثة بما في ذلك شبكات الطرق والإتصالات والمطارات والموانئ. ولا تزال الخزائن العامة للحكومات الخليجية تعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات النفط، وهذا الإعتماد يتجاوز 70 في المئة. ولعل هذا الإعتماد هو أحد مبررات اطلاق تسمية "دول نفطية" على دول المجلس. ويبدو أن النفط يلقي بظلاله الثقيلة على أجواء القمة في أبو ظبي، بسبب إستمرار الهبوط الفادح لأسعار النفط الذي استمر أشهراً طويلة، أفقد الخزائن العامة لدول المجلس ما لا يقل عن 25 في المئة من دخلها. ولا شك في أن تناقص الدخل بوتيرة مثل هذه يؤثر في برنامج الإنفاق الحكومي، وهذا بدوره، وبطبيعة الحال، يؤثر على ما يقدم من خدمات للمواطن. والتأثير على المواطن سينعكس في أشكال شتى. وهكذا نجد أن أزمة هبوط أسعار النفط ستتحول اذا ما استمرت طويلاً، وشيئاً فشيئاً، من ضائقة تمر بها الخزانة العامة الى ضائقة يمر بها الإقتصاد ككل. سعر البرميل في 99 ومن المؤكد أن الدول الأعضاء اتخذت خطوات - كلاً على حده - للتعامل مع النقص في الإيرادات. وكانت السمة الإجمالية لهذا التعامل التقشف وإلغاء المشاريع ما عدا الضروري منها. وكانت هذه خطوات ضرورية من دون شك. ولكن ماذا عن المستقبل؟ يكتسب هذا السؤال وجاهة لسبب أكثر وجاهة، وهو أن أسعار النفط مرشحة للبقاء عند مستويات متدنية. ويظهر ذلك من أن مجموعة كبيرة من المحللين تتوقع أن يتحسن ليصل الى 13 دولاراً للبرميل... هذا بالنسبة إلى مزيج "برنت" القياسي الذي هبط الأسبوع الماضي الى مستويات قياسية. وبطبيعة الحال لايمكن الجزم بما ستكون عليه أسعار النفط، وإن كنا جميعاً نرجو أن تتحسن لتتجاوز 15 دولاراً على أقل تقدير وفي أقرب فرصة. ولكن يبدو أن هناك "قططاً" قد إشتمت رائحة ركود طويل في سوق النفط. وهذه القطط هي شركات النفط العملاقة. وقبل الخوض في أمور هذه الشركات، يبدو من المقبول القول أن هذه الأجواء تبرر تناول التأثيرات الإقتصادية للأزمة النفطية على دول المجلس في قمة أبو ظبي، إذ ربما تمكنت القمة من أن تقدم إلى الأسواق، اشارة واضحة على التماسك النفطي فيما بين الدول الأعضاء، وقد تتمكن القمة من إعطاء الإقتصادات المحلية ورجالاتها اشارات عن توجهات التعامل مع الأزمة في سنة 1999. مناقشة الأزمة لعل السؤال الذي تتناوله الألسن: هل تُناقش الشؤون النفطية الخليجية في قمة أبوظبي؟ أما السؤال المضاد فهو: إذا لم تناقش القمة الخليجية النفط، فما هي الأجندة الإقتصادية للقمة؟ ولعل هناك من يتمنى أن تكون القمة إقتصادية بحتة، فالشأن الإقتصادي ثري بالقضايا التي يمكنها دفع مسيرة المجلس خطوات كبيرة، ما قد يمكن دوله من تحقيق قفزات لتخطي تحديات إقتصادية مستجدة، وقد تناقش القمة سوق النفط العالمية وصناعة النفط في الخليج، وتأثير تدني أسعار النفط في مؤسسات النفط الخليجية. ونقاش القمة للآلية التي تخرج صناعة النفط في الخليج العربي من الركود أمر ضروري، خصوصاً في ظل أزمة النفط الخانقة ووسط توجه الشركات العالمية إلى الأندماج كأداة للتعامل مع ركود سوق النفط العالمية. ومن المؤكد أن لدى حكومات دول المجلس من الفنيين والمستشارين النفطيين ما يجعل تداعيات أزمة النفط واضحة للجميع. ولكن كيف تتعامل دول مجلس التعاون وهي دول نفطية مع هذه التداعيات؟ هل تتعامل كل دولة مع الأزمة النفطية العالمية من منظورها الوطني الخاص، أم تتعامل الدول الأعضاء مع الأزمة العالمية كمجموعة اقتصادية واحدة؟ للإجابة عن هذه التساؤلات لعل من المناسب نقاش صناعة النفط الخليجية لتكوِّن الدول منظوراً واحداً. فالنفط ليس من أمور السيادة بل هو سلعة إقتصادية يحرص الجميع على بيعها في السوق العالمية. ومادامت الحكومات ترسم جزءاً مهماً من سياساتها النفطية وفقاً لإتفاقات تعقد ضمن منظمة "أوبك"، فلعل من المقبول تبعاً للطبيعة الإقتصادية لسلعة النفط ولعالميتها أن تناقش أوضاعها باعتبارها شأناً إقتصادياً لوّن السنة الجارية بلونه. ومن المناسب أن تضع دول مجلس التعاون بصمتها المميزة على الحل، وتمثل قمة أبوظبي فرصة غالية بالفعل. ليس تقليداً لأحد تناقش دول المجلس في ما بينها أموراً كثيرة. فهناك لجان عدة متخصصة وزارية ودون ذلك ضمن إطار حكومات المجلس تلتقي دورياً. وللمجلس مجلس وزاري مؤلف من وزراء الخارجية في الدول الست. ولعل من غير الخفي أن مستجدات سوق النفط تستحق نقاشاً عاجلاً وقرارات سريعة، من نوع أن صناعة النفط في الدول الست يجب أن تصبح امتداداً اقتصادياً واحداً، وبات ضرورياً العمل على هيكلتها لتستفيد من اقتصاديات الحجم من جهة ولتوفر في نفقات التشغيل. وهذا أمر سيمكن دول المجلس من استعادة المبادرة ومباغتة سوق النفط العالمية بروح جديدة للتعامل مع المستجدات. ولا ينبغي أن يشطح الذهن للمقارنة بين دمج صناعة النفط في دول مجلس التعاون على أنها إمتداد لما يحدث من إندماج بين شركات النفط العالمية. إذ أن الشركات العالمية تندمج بقصد الإقتصاد في النفقات وتحسين وضعها التنافسي في السوق، فإندماج شركتي "أموكو" و"بريتش بتروليوم" سيوفر لهما بليوني دولار، كما ستوفر "أكسون" و"موبيل" نحو أربعة بلايين في النفقات فيما لو تم إندماجهما. وعلى رغم أن سوق النفط عالمية، وأن مؤسسات النفط في الخليج جزء من تلك السوق، غير أن مبررات اندماج صناعة النفط في دول مجلس التعاون الست أمر إستراتيجي دعت له الإتفاقية الإقتصادية الموحدة المادة 11 منذ زمن طويل. أما شركات النفط فتندمج تحت ضغوط السوق، ومع ذلك إتخذت القرار، واستعدت لمجابهة مزيد من التراجع في الأسعار... فما الخطوات العملية التي اتخذتها دول المجلس؟ * كاتب اقتصادي سعودي.