توقع محللون اقتصاديون خليجيون ان يستمر التباطؤ في اقتصادات دول المنطقة بسبب ضعف اسعار النفط ما سيدفعها الى التفكير بجدية في فرض ضرائب على الدخل، وهو الخيار الذي طالما نبذته حكومات هذه الدول نظراً لاعتمادها المكثف على العمالة الوافدة. ولفت المحللون الى توقعات دولية ببقاء اسعار النفط منخفضة في السنوات المقبلة نتيجة ارتفاع طاقات الانتاج في مناطق اخرى والازمة المالية الآسيوية وعودة العراق الى الساحة النفطية بقوة في النهاية. وقال الخبير الاقتصادي جاسم السعدون في اتصال هاتفي أجرته معه "الحياة" ان "دول مجلس التعاون الخليجي على اعتاب مرحلة ركود اقتصادي لأنها لا تزال تراهن على دفع اسعار النفط الى اعلى، وهو هدف يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر لأسباب عدة اهمها الفائض الضخم في القدرات الانتاجية للدول الاخرى". واضاف "اعتقد انه يتعين على هذه الدول التفكير بوسائل اخرى مثل خفض الانفاق العسكري وتنمية الموارد غير النفطية عن طريق فرض رسوم على بعض السلع والخدمات، ثم البدء في فرض ضرائب على الدخل... وقد يكون القطاع الخاص غير مستعد حالياً لمثل هذه الضرائب لكن اعتقد انه سيكون أحد الخيارات المطروحة وبشكل تدريجي". وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي المملكة العربية السعودية والكويت والامارات والبحرين وقطر وسلطنة عُمان مأزقاً اقتصادياً يتمثل بانخفاض اسعار النفط في الوقت الذي تتزايد فيه حاجاتها التنموية بسبب النمو السريع للسكان، في حين لا تزال مواردها غير النفطية تشمل جزءاً ضئيلاً من دخلها الوطني. وحسب توقعات مصرفية فإن هذه الدول ستخسر بين 15 و30 بليون دولار السنة الجارية بسبب ضعف اسعار النفط، ما دفع بعضها الى خفض الانفاق على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى رغم تدهور دخلها النفطي الى نحو الثلث منذ انتهاء الفورة النفطية مطلع الثمانينات الا ان دول المجلس لا تزال مترددة في فرض ضرائب على الدخل، واكتفت باستحداث رسوم على الخدمات الحكومية وفرض تعرفة جمركية منخفضة نسبياً على الواردات من الدول الاخرى. وقال الخبير الاقتصادي احسان ابو حليقة ل "الحياة" ان اعفاء القطاع الخاص في دول المجلس من ضرائب الدخل ادى الى ارتفاع كبير في ارباحه، الا ان استثماراته في المنطقة لا تزال ضئيلة، ولم يساهم بفعالية في زيادة موارد الخزينة، اذ ان صادراته لا تتجاوز نسبة عشرة في المئة من اجمالي صادرات المجلس. واشار الى ان "الوقت قد حان للقطاع الخاص في دول المجلس كي يساهم في تنمية الموارد الحكومية عن طريق دفع رسوم وغيرها، وهو قادر على ذلك على اعتبار ارباحه واستثماراته الضخمة". وقدر ابو حليقة ايرادات القطاع الخاص السعودي وحده بما يزيد على 680 بليون ريال 181 بليون دولار سنوياً، في حين قدر مصرفيون اجمالي هذه الايرادات في دول المجلس الست بأكثر من 300 بليون دولار. وتسعى هذه الدول الى زيادة مواردها غير النفطية من خلال تطوير القطاع الصناعي، ووصلت الاستثمارات في هذا القطاع الى نحو 60 بليون دولار. لكن الدخل من الصادرات الصناعية والقطاعات الاخرى لا يزال متواضعاً بالمقارنة مع الدخل من النفط والغاز اذ انه يقل عن 10 في المئة من اجمالي الايرادات. واشارت احصاءات رسمية عربية الى ان ايرادات الضرائب تشكل نحو 8 في المئة من اجمالي الدخل في الدول العربية، لكن معظم هذه الايرادات تتم جبايته في الدول العربية غير النفطية. وقال السعدون "ان الضرائب الحالية على الواردات وغيرها في دول مجلس التعاون الخليجي تشكل جزءاً لا يذكر من الدخل الحكومي، وما يدفعه القطاع الخاص لا يزيد عن واحد في المئة من ايراداته". واضاف ان "هذا القطاع حقق ارباحاً خيالية في الفترة الماضية، وكان العامل الاساسي في ذلك ارتفاع الانفاق الحكومي الذي سرع معدلات النمو، وعليه ان يساعد الحكومة في هذه المرحلة". ولا يزال القطاع الخاص في دول المجلس يعتمد كثيراً على الانفاق الحكومي على رغم التوسع الذي شهده واجراءات التقشف التي تتبعها هذه الدول لتفادي تفاقم العجز في الموازنة وحدوث ازمة مالية على غرار تلك التي حدثت خلال حرب الخليج والتي دفعت بعدد من هذه الدول الى الاقتراض من الخارج والسحب من استثماراتها. وما يثير التشاؤم في شأن مستقبل اسعار النفط الاتجاه الدولي المتنامي الى فرض المزيد من الضرائب على واردات النفط الخام، ما سيؤدي الى تباطؤ الاستهلاك وتضاؤل الاسواق للدول المنتجة الرئيسية. وعلى هذا الاساس يستبعد الخبراء ان تتكرر الفورة النفطية التي حدثت اواخر السبعينات ومطلع الثمانينات، عندما تجاوزت اسعار النفط 30 دولاراً للبرميل واتاحت لدول الخليج ان تنشئ امبراطورية استثمارية ضخمة في الخارج لاستيعاب فوائضها المالية. ووصل دخل دول المجلس في تلك الفترة الى اكثر من 180 بليون دولار سنوياً مقابل نحو 70 بليون دولار حالياً بالأسعار الجارية واقل من 30 بليون دولار بأسعار عام 1973. باعتبار انخفاض القوة الشرائية للدولار وارتفاع معدلات التضخم العالمية. وقال نائب رئيس شركة "دلة البركة" السعودية عمر كامل ل "الحياة" انه يتعين على دول الخليج ان "تحسب حساباً لأسوأ الظروف حتى لا تقع في ما وقع فيه الآخرون من الافراط في الأمل على اساس غير علمي... فإذا تحسنت الاوضاع كان بها وان لم تتحسن تكون قد أعدّت العدّة لمواجهة تلك الظروف". واضاف "ان ما تواجهه الدول النفطية من انخفاض في الاسعار سيستمر لأمد طويل، ويتعين على دول الخليج ان تدرك ان زمن الوفرة قد انتهى، فتعيد ترتيب سلوك الإنفاق والابتعاد عن المشاريع غير العملية والاسراع في الافكار الاستراتيجية الكبيرة".