انتهت أمس الجولة الثالثة من مفاوضات مانهاست حول مستقبل الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة "بوليساريو"، وسط تكهنات حسمها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتمنياته على المفاوضين"التحلي بمزيد من الوقت والصبر". وقالت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة"إن نزاعاً في مستوى تعقيدات ملف الصحراء الذي عمّر ثلاثة عقود، لا يمكن حلّه عبر ثلاث جولات من المفاوضات، و"الأمر يتعلق ببداية وليس نهاية"، معتبرة أن نبرة التشاؤم التي سادت المواقف"تعكس وجود مناطق ظل"لم يتم التعاطي معها بالقدر الكافي من الإرادة لحلها، في إشارة إلى ضرورة قيام"وفاق اقليمي"يساعد في تعبيد الطريق أمام الحل السياسي. ورأت أن غلبة الاتجاه المتشدد داخل جبهة"بوليساريو"في مؤتمر تيفاريتي جاءت نتيجة كون"الفترة حاسمة"وتحتم من وجهة نظر المتشددين الابقاء على الوضع الأمني والتلويح بمعاودة حمل السلاح. وعقّبت المصادر ذاتها بأن عدم تحقيق مطلب هذا الطرف أو ذاك لا يجب اتخاذه ذريعة لقلب طاولة المفاوضات. إلى ذلك، أبدى وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري انفتاحاً غير مسبوق على الجزائر. وصرح في مانهاست بأن المغرب والجزائر"في إمكانهما معاً، ليس ايجاد حل لمشكلة الصحراء فقط، ولكن إقامة تعاون على مستوى منطقة الساحل والصحراء المعرّضة لأشكال مختلفة من التهديدات". وأضاف أنه أمام التطورات التي تعرفها المنطقة والعالم"لا أحد في مقدوره أن يحقق شيئاً ايجابياً لوحده، بل يتعين على الجميع العمل سوياً من أجل ايجاد حل لمشكلة تُعتبر من مخلفات الحرب الباردة". وقال الفاسي معلّقاً على مفاوضات مانهاست إن الخيار المطروح اليوم أمام المفاوضات إما الاستمرار في الوضع القائم المرادف للرجوع إلى الوراء وتفاقم الوضع في المنطقة، أو تبني الاقتراح المغربي الحكم الذاتي الذي يندرج في إطار دينامية منفتحة على المستقبل. إلى ذلك، وجه وزير الداخلية المغربي رئيس الوفد المفاوض شكيب بن موسى نداء إلى الجزائر يحضها على دعم عملية التفاوض باعتبارها"أدرى بهذا النزاع وظروفه وخلفياته المفتعلة". وأعرب عن تمنياته بانخراطها ايجاباً في مسلسل المفاوضات السياسية في هذه الفرصة التاريخية"التي يجب أن نرتقي فيها جميعاً لمستوى تطلعات شعوبنا الشقيقة في بناء اتحاد مغاربي واعد بالتقدم والازدهار". بيد أنه أعرب عن شجبه وتنديده"أي محاولة لفرض الأمر الواقع والمساس بالوحدة الترابية للمملكة في دائرة حدودها الحقة وسيادتها غير القابلة للتصرف". وقال إن المغرب تصدى عبر التاريخ لكل محاولات النيل من وحدته الترابية، منبهاً إلى أن مخاطر البلقنة"سيكون مدبّروها أول المكتوين بها". ووجه المسؤول المغربي كلامه إلى قادة"بوليساريو"، داعياً اياهم إلى"تحكيم منطق العقل وعدم اخلاف هذا الموعد المتاح مع التاريخ"، معتبراً أن التهديد بإشعال فتيل الحرب يطرح السؤال عن مدى وجود إرادة حقيقية لدى الأطراف التي تهدد بها،"وكل ما هناك أنها قد تشجع المخططات الرهيبة الهادفة لجعل منطقتنا قاعدة للإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب والاتجار المحرم في البشر والسلاح". ونبّه الوزير بن موسى إلى أن ذلك ستكون له"عواقب وخيمة لن ينجو منها أي من البلدان المغاربية الخمسة"، ودعا إلى تكثيف الجهود لضمان استقرار المنطقة المغاربية وبلدان الساحل والصحراء وشمال افريقيا وغرب أوروبا. وشرح الوزير المغربي أمام مفاوضيه في حضور الديبلوماسي بيتر فان فالسوم، الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، أن المغرب والمجتمع الدولي يتطلعان الى أن تتحرك الأطراف المعنية بالنزاع ل"النهوض بدور القوة الاقتراحية البناءة في المسار التفاوضي الجاد"، معتبراً أن الحكم الذاتي الذي تقترحه بلاده"النمط الأنجع والأنسب ليمارس كل قبائل وسكان الصحراء، حيثما كانوا، تقرير مصيرهم طبقاً للأعراف الدولية"، وقال إن مجلس الأمن والأمم المتحدة"تأكد لديهما أن الحلول التجريدية المطروحة من قبل كانت عقبة وغير قابلة للتنفيذ". ووصف قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1753 بأنه أشاد بالتطورات الحاصلة لبلورة حل سياسي عادل ونهائي ودائم، مؤكداً أنه رأى في خطة الحكم الذاتي"من دون غيرها اقتراحاً جاداً ويتمتع بالصدقية". وعرض الى تفاصيل الخطة في نطاق إقامة برلمان وحكومة محليين من خلال انتخابات نزيهة، معبراً عن أمله في أن تشكل الجولة الثالثة من مفاوضات مانهاست"مدخلاً للتفاوض في تفاصيل وأجندة الحل السياسي الوفاقي على أساس جدولة مضبوطة واضحة ومتفق عليها"، معتبراً أن نجاح المفاوضات على أساس مبادرة الحكم الذاتي"انتصار للشعوب المغاربية التواقة للوحدة والتكامل والاندماج، وانتصار لقيم الإنسانية المثلى للسلام والأمن والاستقرار والديموقراطية".