للمرة الأولى منذ اندلاع نزاع الصحراء الغربية في العام 1975، تبرز ثلاثة تيارات تسعى إلى الحصول على شرعية الحديث باسم الصحراويين الذين ينازعون المغرب السيادة على الإقليم. فبعد أن ظلت جبهة"بوليساريو"التي أسسها في العام 1973 طلاب صحراويون في الجامعات المغربية يتبنون ايديولوجية ماركسية - لينينية في مواجهة النظام المغربي، تحتكر تمثيل الصحراويين، اعتصم شيوخ وزعماء قبائل صحراوية متنفذة في ضواحي تيفاريتي، مقر مؤتمر الجبهة، معلنين معارضتهم النهج السياسي الذي تمثله قيادة"بوليساريو". ولم يتضح إذا كان الأمر سيقتصر على الاعتصام والاحتجاج، أم أنهم سيشكلون تنظيماً صحراوياً جديداً، خصوصاً أن هؤلاء يقولون إن لهم مناصرين داخل مخيمات تيندوف، بينما يعقد"المجلس الاستشاري الصحراوي"الموالي للمغرب اليوم اجتماعاً في السمارة يحدد فيه موقفه من هذه التطورات. غير أن اللافت في هذه التحركات أنها تتم في وقت واحد في مثلث مكاني يتمحور حول تيفاريتي، فمدينة السمارة لا تكاد تبعد عن تيفاريتي أكثر من 80 كلم شرقاً في اتجاه سياج الجدار الأمني الذي يمكن من خلاله للقوات المغربية المرابطة هناك أن ترصد تحركات"بوليساريو"، في حين أن القبائل الصحراوية الأخرى اختارت منطقة باكجيمات جنوبي تيفاريتي للاعتصام، ما يعني في أقل تقدير أن سيطرة"بوليساريو"لا تزيد عن نطاق القاعدة العسكرية التي تؤوي المؤتمرين. وقال شيوخ وزعماء القبائل الصحراوية المعتصمون في ضواحي تيفاريتي أمس في بيان إنهم بوصفهم"أعضاء في جبهة بوليساريو"نظموا تظاهرات، وخلصوا إلى أن حل نزاع الصحراء"لا يمكن أن يكون إلا سياسياً عبر المفاوضات والسلم"، مجددين رغبتهم في النزوح من مخيمات تيندوف، وترجيح"إرادة الصلح ولم الشمل". وأعلنوا مساندتهم اقتراح الرباط حكماً ذاتياً في الإقليم"في حال كان يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية". ويؤكد أحد الشيوخ الصحراويين أن انتساب المعتصمين إلى قبائل متنفذة يحول دون مواجهة"بوليساريو"التيار الرافض لها بغير الاقناع أو الاحتواء، لا سيما في ظل تزايد المخاوف من أن يكون لهذا التطور انعكاسات داخل المخيمات. وحسب مراقبين، فإن كثافة التحركات الراهنة سببها المفاوضات المباشرة بين المغرب وبوليساريو التي ستبدأ الجولة الثالثة منها في ضواحي نيويورك في السابع من الشهر المقبل. وقد تكون هذه التيارات ترغب في أن تحظى بتمثيل أوسع في هذه المفاوضات التي ترسي مستقبل الاقليم. وعلى رغم أن الرباط صعدت لهجتها إزاء ما وصفته ب"انتهاك وقف النار"في تيفاريتي، فإنها ستشارك في المفاوضات، من منطلق أنها تطال علاقاتها والأمم المتحدة تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1754 الذي حض الأطراف المعنية المغرب و"بوليساريو"بطريقة مباشرة، والجزائر وموريتانيا كطرفين مراقبين على الدخول في مفاوضات. ولا يبدو، وفق المصادر ذاتها، أن"بوليساريو"التي كانت تلوح بمعاودة حمل السلاح ستقر في ختام مؤتمر تيفاريتي هذا التوجه، أقله أنه يناقض توجهات المجتمع الدولي. ويرجح أن تلجأ بدلاً من ذلك إلى صيغة وفاقية تتحدث عن إعداد مقاتليها للحرب، في حال دعت الضرورة إلى ذلك. لكن التطورات الراهنة سيكون لها تأثير في مسار المفاوضات، فالمغرب أعلن تمسكه بخيار الحكم الذاتي و"شيء غير الحكم الذاتي"أرضية للمفاوضات المرتقبة، فيما"بوليساريو"تقترح البحث في صيغ موزعة بين الاستفتاء والحكم الذاتي من خلال تقرير المصير. وذكرت مصادر رسمية في الرباط أن العاهل المغربي الملك محمد السادس دعا"المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية"إلى الانعقاد بالتزامن مع المفاوضات، كون رئيسه يشارك في الوفد المغربي الرفيع إلى مفاوضات مانهاست. وستكون نتائج الجولتين السابقتين ضمن أبرز المحاور التي يبحثها المجلس، إضافة إلى قضايا سياسية واقتصادية ترتبط بمضمون النظام الجهوي الذي يعتزم المغرب تنفيذه. وتذهب أوساط في المجلس إلى دعوة الحكومة المغربية إلى البدء في تنفيذ الإجراءات المتعلقة بنظام الحكم الذاتي من الآن.