من بين موجودات مركز المخطوطات الإسلامية في مسجد السيدة زينب في القاهرة مخطوطة نادرة من كتاب "اختلاف علماء الأمصار" للمؤرخ الفقيه أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى عام 310 ه وموضوعه هو مذاهب الفقة الإسلامي. وهو من أقدم المخطوطات العربية في العالم ويحمل الرقم 44 ويوجد منه المجلدان الأول والثالث. ويقع المجلد الأول في 22 ورقة، والثالث في 49 ورقة، ومسطرتها 21 سطراً والتجليد قديم والمادة جيدة وزخرفته مضغوطة، والحاجة إلى التجليد ماسة كما يقول الدكتور عبد الستار الجلوجي أستاذ المخطوطات والمكتبات المستشار الفني لمركز المخطوطات الإسلامية في القاهرة، وهذا المخطوط قرئ على المؤلف، والمجلدان في النكاح، فأولهما يبدأ بقول المؤلف:"اختلفوا في ما يجوز الجمع بينه من النساء"، ويختم بقوله:"واختلفوا في ما يجب للمرأة إن لم يُعْطِها الزوج ما فُرِض لها حتى زاد في يديه أو نقص ثم طلقها قبل الدخول". وورد على صفحة عنوان المجلد الثالث عبارة:"الثالث من كتاب اختلاف علماء الأمصار وهو الرابع من كتاب النكاح". وهذا المجلد ناقص من آخره، ومع أن النسخة غير مؤرخة، إلا أنها قرئت على المؤلف سنة 294 ه، إذ ورد على صفحة عنوان المجلد الأول عبارة:"هذا المجلد قُرئ على المؤلف مصنفة أبي جعفر ابن جرير الطبري". ومعنى هذا أنه نُسخ قبل هذا التاريخ سنة 294ه. وورق النسخة وخطها وطريقة كتابتها وما أصابها من جفاف واصفرار في الأوراق وما لحقها من تلوث ورطوبة وأكل الأرضة لها... أمور تُرجح صحة هذه المعلومة. إذ استُخْدِمت فيها الدائرة المنقوطة في وسطها بدلاً النقطة كأداة للفصل بين الجمل، ووضع داخل هذه الدائرة شرطة مائلة دليلاً على مراجعتها بالقراءة على المؤلف أو المقابلة على الأصل الذي نقلت عنه، وهو أسلوب كان متبعاً في مخطوطات تلك الفترة مثل"الرسالة"للإمام الشافعي، نسخة دار الكتب المصرية رقم 41 أصول فقه التي كتبها الربيع بن سليمان ت 270 ه ورجّح الشيخ المحدث أحمد محمد شاكر أنها كُتبت بين سنة 199 ه التي دخل فيها الإمام الشافعي مصر، وسنة 204 ه التي توفي فيها لأن الربيع بن سليمان تلميذه لم يترحم فيها على الشافعي في أي موضع، وهناك أيضاً كتاب"مُشْكِل القرآن"لابن قتيبة، نسخة دار الكتب المصرية رقم 663 ? تفسير، وهي مؤرخة 379ه. ويقول الطبري في مقدمة كتابه"اختلاف علماء الأمصار"قال الله جل ثناؤه:"حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللائي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم..."فهو هنا يتحدث عن المحرمات على المرء في الزواج. والمخطوطة تحفة نادرة، وكنز ثمين من كنوز تراثنا الإسلامي في الفقه الاجتهادي، وهو ينتقل المؤلف بين آراء الفقهاء، ويستعرض ما قالوه في كل قضية وأمر، ويختار الأنسب والأرجح بحسب المصلحة والظرف وما تقتضيه البيئة وطبيعة الناس، ولهذا المخطوط قيمة فقهية عظيمة يعرفها أهل الشرع والنقل، لأنه يُعْمِل أدواته البحثية كفقيه، ويُوازن بين الآراء، ويستعمل العقل مع النقل، ليصل إلى ما يناسب الواقع. ويؤكد الطبري أهمية وقيمة"الاختلاف"بين الفقهاء، في الرؤى والفهم والتناول، ويدعو إلى استثمار هذه الخاصية المهمة في الشريعة الإسلامية، لأنها تيسر على الناس في معاشهم وحياتهم، وتجعلهم يأخذون بالأيسر والأنسب لحاجاتهم وظروف عصرهم، وكأنه تجديد في الفقة برؤى عصر الطبري التي تراعي اختلاف الفُتْيَا زماناً ومكاناً وواقعاً.