أعطى الإفصاح الدوري كل ثلاثة شهور للشركات المساهمة العامة المدرجة في الأسواق المالية، عن تطورات أدائها ونمو أرباحها، استناداً إلى قوانين الأسواق المالية، فرصاً مهمة لزيادة حجم الطلب والعرض في الأسواق المالية. فيرتفع حجم الطلب على أسهم الشركات التي حققت نمواً متواصلاً في صافي أرباحها، وبالتالي ارتفاع أسعارها السوقية. وبالعكس يتراجع حجم الطلب ويرتفع حجم عروض البيع على أسهم الشركات التي تراجعت قيمة أرباحها، ما يؤدي إلى انخفاض أسعارها السوقية. وساهمت هذه الافصاحات الدورية في ربط سعر أسهم الشركات المدرجة بمستوى أدائها، باعتبار أن المعلومات الجوهرية المفصح عنها، عادة ما تساهم في إعادة احتساب الأسعار العادلة لأسهم هذه الشركات. والأسواق الناضجة هي أكثر الأسواق تفاعلاً مع افصاحات الشركات، وبالتالي تتميز بارتفاع مستوى كفاءتها بحيث لا يظهر الفارق واضحاً بين سعر أسهم الشركات في هذه الأسواق وأسعارها العادلة، لاعتبار أن الأسعار تعكس كل المعلومات المتوافرة عن أسهم الشركات، إضافة إلى أنها تعكس المعلومات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالاقتصاد الكلي وبالقطاعات الاقتصادية المختلفة. وتفاعل الأسواق الخليجية مع البيانات المالية الدورية التي تفصح عنها الشركات، يتفاوت من سوق إلى آخر. فأسواق الأسهم الإماراتية والسعودية والقطرية مثلاً هي أقل الأسواق تفاعلاً، لأسباب عدة أهمها سيطرة سيولة المضاربين على هذه الأسواق وفي المقابل ضعف الاستثمار المؤسسي. والمعلوم أن الاستثمار المؤسسي يعتمد في قراراته الاستثمارية، سواء بيعاً أو شراء، على معايير ومؤشرات مالية واقتصادية واستثمارية. وعادة ما تكون استثماراته ما بين متوسطة وطويلة الأجل للاستفادة من فرص النمو المتوافرة في اقتصادات المنطقة، وتأثيرها الإيجابي في ربحية الشركات، بينما تتركز سيولة المضاربين على أسهم شركات محددة تسهل المضاربة على أسهمها. وعادة ما يتجاهلون في قراراتهم الاستثمارية المؤشرات المالية ومؤشرات الربحية لهذه الشركات، وبالتالي لا يلتفتون إلى تطورات أدائها خلال العام أو توقعات الأداء في المستقبل، أو مؤشرات تقويم أسعار الأسهم في هذه الشركات. فلاحظنا أن حجم التداول في خمس شركات مضاربة في بعض هذه الأسواق، يستحوذ على نحو 75 في المئة من حجم السيولة في السوق، وبقية الشركات التي يتجاوز عددها المئة تستحوذ على 25 في المئة منها. ويلعب ضعف الوعي الاستثماري دوراً سلبياً في تفاعل المستثمرين مع إفصاح الشركات. ونتج من ذلك أن نسبة مهمة من صغار المستثمرين يفتقرون الى المعلومات الأساسية عن موازنات الشركات ومصادر أرباحها ومؤشرات تقويم أدائها واحتساب العائد على رأسمالها وحقوق مساهميها وغيرها من المعلومات المهمة. كما أن التذبذب المستمر لمؤشرات أدائها ساهم في دفع عدد كبير من المتعاملين للاستثمار السريع أو القصير الأجل بدلاً من الاستثمار المتوسط والطويل الأجل. وهذه الظاهرة لا تشجع هؤلاء المستثمرين على متابعة تطورات أداء الشركات نظراً لسخونة أموالهم من حيث دخولها وخروجها بسرعة. واللافت أن لعدد كبير من الوسطاء في هذه الأسواق دوراً مهماً في تشجيع المستثمرين على المضاربة السريعة، بدلاً من الاحتفاظ بأسهم الشركات لفترة زمنية طويلة، باعتبار أن المضاربة تحقق لهم مكاسب كبيرة. وبلغ نمو ربحية الشركات المساهمة العامة الإماراتية على سبيل المثال خلال النصف الأول من هذا العام نحو 17.3 في المئة، بينما ارتفع مؤشر السوق خلال الفترة الماضية من هذه السنة بنسبة 7.3 في المئة، والفارق بين نمو ربحية الشركات ونمو مؤشر السوق يعطي صورة واضحة عن عدم التفاعل الإيجابي مع نتائج الشركات. بينما نلاحظ ارتفاع مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية 29 في المئة وهذا ما يعكس تفاعل السوق مع نتائج الشركات خلال النصف الأول، وتوقعات الأداء خلال الشهور التسعة الأولى، نظراً لقوة الاستثمار المؤسسي في السوق، وارتفاع مستوى الوعي الاستثماري. كذلك نلاحظ ارتفاع مؤشر سوق مسقط بنسبة 23 في المئة ما يعكس أيضاً تفاعل السوق مع نتائج الشركات. بينما يلاحظ أن تراجع مؤشر السوق السعودية بنسبة 1 في المئة، يعكس عدم تفاعل السوق مع النتائج الجيدة التي حققتها الشركات السعودية خلال النصف الأول، وسيطرة المضاربين على بعض الأسواق الخليجية أدت بالطبع إلى تراجع الثقة في الاستثمار في هذه الأسواق. والتوقعات الأولية تشير الى أن الشركات المساهمة العامة المدرجة في أسواق المنطقة ستباشر في الإفصاح عن نتائج الربع الثالث من السنة، اعتباراً من النصف الثاني من شهر تشرين الأول اكتوبر المقبل، أي بعد إجازة عيد الفطر المبارك. واقتراب نهاية العام عادة ما يشجع المستثمرين على الأجل الطويل على الشراء لحصولهم على الأرباح السنوية التي توزعها هذه الشركات، وانخفاض سعر الفائدة على الودائع في بعض الدول الخليجية يشجع على شراء أسهم الشركات التي تتميز بارتفاع مستوى توزيعاتها، كما يشجع على شراء أسهم الشركات التي تستفيد من انخفاض سعر الفائدة وارتفاع مستوى التضخم، ومنها شركات قطاع العقارات وأزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة. وقد تكون لها انعكاسات سلبية على حجم الطلب على أسهم البنوك الخليجية التي أفرطت في تمويلاتها العقارية في المنطقة. * مستشار بنك ابو ظبي الوطني للأوراق المالية