كلما حل شهر رمضان المبارك يكثر الحديث عن الدراما الرمضانية. وهذا الحديث الطويل والمستمر له ما يبرره، فقد أصبحت المسلسلات ملازمة لهذا الشهر، ومثلما أن مائدة الإفطار مملوءة بأنواع وأصناف متعددة من الأطعمة، يصاب الصائم جرائها بالتخمة، فإن"مائدة الشاشة"لا تقل كثافة وتنوعاً بحيث تصيب المشاهد بما يمكن تسميته بپ"التخمة الدرامية". والواقع أن نظرة موضوعية الى هذه الظاهرة تكشف عن سلبيات كثيرة، ذلك أن هذا الكم الهائل من المسلسلات يخلق حالاً من الفوضى يصعب معها التركيز على مسلسل بعينه ومتابعته حتى الحلقة الأخيرة. فوسط الخيارات الكثيرة، وفي ظل هذه الغزارة المفرطة في عرض الإعلانات التجارية أثناء عرض المسلسلات تغدو المشاهدة صعبة، لا سيما أن"الريموت كونترول"حاضر في كل حين للانتقال الى محطة أخرى. والواضح أن هدف الفضائيات في هذا الطقس الرمضاني هو السعي نحو مزيد من الأرباح، وجني الأموال من جيوب المعلنين، والحال أن هذا السعي يكاد يقلب المعادلة على نحو معكوس، فمساحة الإعلان الطويلة التي تتخلل المسلسلات أصبحت تشكل عيباً درامياً، فهي تكسر إيقاع العمل الدرامي، وتأتي مشاهد الإعلانات مقحمة بصورة تثير الاستفزاز. بل تجاوز الأمر ذلك حتى صار المتلقي يخلط بين الإعلان والمسلسلات، وخصوصاً بعد أن ظهر عدد كبير من الفنانين في تلك الإعلانات التجارية كنت أتابع حلقة من مسلسل"باب الحارة"وظهر إعلان تجاري يظهر فيه فنان يجسد أحد الأدوار في العمل نفسه فاختلط علي الأمر واعتقدت أن الإعلان هو مشهد من المسلسل!!!، ناهيك عن أن الممثل نفسه يظهر في أكثر من مسلسل وفي أدوار مختلفة، فهو عاشق في المساء ولص في الليل، وأمير في الصباح، وفرّاش عند الظهيرة... من زاوية أخرى، فإن صناع الدراما من جانبهم، خضعوا الى هذه الظاهرة السلبية، فالدورة الرمضانية تتطلب مسلسلاً من ثلاثين حلقة، وهذا يدفع السيناريست والمخرج، وقبلهما شركات الإنتاج، الى ثرثرة مجانية لا تمت بصلة الى طبيعة المسلسل. ومن هنا نجد أن الكثير من المسلسلات يسير وفق إيقاع رتيب وممل، فالمونتير مضطر، وفق التعليمات الموجهة له، للإبقاء على الكثير من اللقطات والمشاهد التي كان يفترض حذفها، لكن قاعدة"الثلاثين حلقة"هي التي تتحكم الآن في عمليات المونتاج، وكتابة السيناريو، والإخراج. لا شك في أن هذه الظاهرة تحتاج الى إعادة نظر من قبل المسؤولين عن الفضائيات، بحيث يتخفف شهر رمضان من هذا الكم من المسلسلات، كي لا تقع الدراما في مستنقع السطحية والابتذال، وكي تحظى المسلسلات القليلة التي ستعرض في رمضان بنسبة مشاهدة معقولة. وعلى شركات الإنتاج الفنية ألا تشعر بالاستياء إذا لم تحصل على فرصة عرض أعمالها في شهر رمضان، فثمة أحد عشر شهراً آخر يمكن استثمارها، وهناك أعمال أثبتت أهميتها خارج الدورات الرمضانية ما يعني أن شهر رمضان يصلح للعبادة، لكنه لا يصلح كمعيار للفرز بين المسلسلات الجيدة والرديئة. وعلى منتجي الأعمال الدرامية أن يكفوا عن لعب دور"مسحراتية رمضان"على حد تعبير أحد المخرجين السوريين، عليهم الاعتناء بأعمالهم شكلاً ومضموناً بعيداً من الطقس الرمضاني.