في الأدبيات السياسية يجري وصف السلطة الطغيانية بالنظام وهي ترجمة رديئة ل"الريجيم" الأجنبية، فيقال النظام العراقي والنظام الكوبي والنظام الليبي... الأدبيات تنسب النظام إلى"الدولة"أو إلى المكان والأولى أن يُنسب إلى الطاغية فذلك"اقرب للتقوى". السلطات المتسلطة على رقاب شعوبها بالدبابة الأميركية أو بالعقيدة السوفياتية - فكلاهما"آلات"من صنع غير العرب - عادة ما توصف بالنظام في معرض الهجاء أو التعريض والانتقاص على الأقل، الوصف يضنّ على تلك السلطات الحاكمة بالحكومة لعدم انتسابها إلى الحكمة. فالحكمة تقتضي عدم تنظيم كل فعاليات الحياة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الحكمة تقتضي الاستجابة إلى إرادة الشعب، والحكمة تقتضي من الدولة - حتى تستحق اسمها - أن يتم تداولها بين من هم أهلها. الطريف عربيا أن الشعب والنظام كليهما يتعامل مع الدولة وكأنها كيان"أجنبي"مستقل ومتعال. الريجيم يعني الصيام أو التخسيس باللهجة المصرية المبدعة. الريجيم البيولوجي يعني تخسيس الوزن، والسياسي يعني تخسيس الكرامة أو الوطن إلى حجم قائده... لم نجد"رفيقا قائدا"عربيا أو أجنبيا واحدا،"قائدا رفيقا"بشعبه أو برعيته التي ينعم هو وحزبه أو عشيرته أو طائفته، بصوفها وحليبها ولحمها ودمها. لم يتفضل علينا التاريخ برفيق قائد يقود رعيته قودا جميلا إلى الذبح كما تقتضي الآداب الإسلامية المرعية في الذبح الشرعي للرعية. لم يطل المقام بمصطلح الرفيق في الإعلام الاشتراكي العربي العلماني، فسرعان ما ازدردته الأنظمة العربية الاشتراكية لمساواته بين رفاق الحزب في اللقب! فلا يعقل أن يكون الأمين العام المناضل، الذي زجّ برفاق الأمس وانقلب عليهم وأعدمهم أو سجنهم من دون محاكمة، رفيقا مثل بقية الرفاق الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء رفاقهم! فالرفيق الأكبر الذي ليس كمثله شيء أو احد، لم يعد يرضى بهذا اللقب الاشتراكي المرحوم، وقد أنجز كل هذا الانجاز: تحويل الشعوب العربية اللقاح، أي الذين لا يدينون لسلطان كما يشرحه الجاحظ في كتاب الحيوان، الى رعية، تحويل الشعوب التي كانت حتى قبل خمسين سنة كلها زعماء، إلى شعوب كلها عبيد. فالعربي الأبي، الأشم، الأنوف، الذي إذا بلغ الفطام له صبي تخرّ له الجبار صاغرينا، صار يخرّ من اصغر"المخبرينا"! بشرنا الإعلام الاشتراكي بالفراديس الاشتراكية فوجدنا، في نشرة أخبار المساء في أواخر السبعينات، وقد خسف بمصطلح الرفيق الأرض واستبدله بمصطلحات استعلائية متغطرسة مثل المهيب الركن، وسيادة الفريق، وسيادة العقيد... ووجدنا الفريق ابعد ما يكون عن روح الفريق والعمل الجماعي، والعقيد "عكيدا"، أي"قبضاي"و"زكرت"وفتوة... والمهيب الركن مهينا لكل ركن زاره حتى المسجد. وقد شهدت بنفسي، على الهواء مباشرة، الرفيق المهيب الركن صدام حسين يحضّ الشعب العراقي التقدمي على عدم الصلاة في المسجد في سنة الثمانين من القرن الراحل، لأنه مكان لا تتوفر فيه النظافة. فالأولى للمسلم المؤمن التقدمي أن يصلي في بيته على سجادته النظيفة وان يسجد على موطئ لم تدسه قدم. لاحقا عندما فقد العراق معظم رجاله ولم يبق فيه سوى الماجدات الثكالى صار قائد الحملة الإيمانية، فسبحان مقلب القلوب! العامل هو المصطلح العربي الإسلامي الأول للمسؤول الذي لا يجرؤ احد - في الريجيم العربي - على سؤاله من أين لك هذا؟ المسؤول من المصطلحات"المصيبة"الموفقة؟ فترى"المواطنين"من ذوي الحاجات حول مكاتب المسؤولين قطينا لهم حتى إذا انبت البقل أو لم ينبت! وهو مصطلح يجعل المواطن سائلا... فلا تنهر، لكن السائل الشحاذ منتهر دائما، هذا إذا وجد السائل مسؤولا في مكتبه. نظام كل ديكتاتور هو ديكتاتورية أو دولة ديكتاتور، لكن العكس ليس صحيحا دائماً. فقد يكون النظام ديكتاتوريا والديكتاتور واحدا من طغاة البلد الديكتاتوري وأعظمهم على الإطلاق. قرارات الديكتاتور الشفاهية مقدسة أكثر من التحريرية وربما تتعارض معها، وتصبح قرارات الديكتاتور اقل قدسية في الديكتاتورية نظرا لكثرة الطغاة الصغار. الديكتاتورية الشعبية، مصطلح نقترح ادخاله في القواميس، وهي"النظام" الذي ينظم امرا واحدا فقط، تنظيما كاملا، وهو جعل الديكتاتور شعبيا، مثل الفول والطعمية والنزلة الشعبية... الديكتاتورية الشعبية هي أن يصير الطاغية محبوبا بالعصا، ويصير المدير طاغية في شركته، والموظف فرعونا في مكتبه، والأب نمرودا في أسرته، والسائق متجبرا في حافلته يسرع أو يبطئ ويسمع مطرب الكراجات بدرجة الصوت التي يريد ... السلطان الديكتاتوري هو غير السلطان الأبوي البطريركي. الأبوي يفترض بعض صفات الأب، مثل الحنان، أو الغفران للشعب الضال الذي قد يغلط ويطالب بلقمة أكثر كرامة، أو قد يقاطع صندوق الانتخاب الذي صار يشبه حفرة استئناس الفيلة. الأب يساوي بين أبناء الشعب غالبا، أما الديكتاتور فيفرق بين عشيرة أو أخرى، بين طائفة وأخرى، بين حزب وآخر، هو مثل الاحتلال شعاره فرق تسد. وهو يفتقر إلى الحنان. الديكتاتور لا يحن سوى الى حزبه أو عشيرته أو طائفته. أما الديموقراطية الشعبية فهي كقولك الحلويات الحلوة. فقهاء السياسة يجيزون مثل المصطلحات هذه ويرون ديموقراطيات سياسية وأخرى اجتماعية وثالثة طبقية، وإذا كنا نرى ديموقراطية شعبية في بلدان عربية ولا نرى طحينا، فلأن الوقائع تشير إلى أن"الديموقراطية العائلية"، و"الديموقراطية العشائرية"، و"الديموقراطية الطائفية"تزدهر في غير قليل من البلاد العربية... الماوردي رحمه الله، في الأحكام السلطانية، يعتبر الديموقراطية الشعبية الاسم الفني للديكتاتورية الشعبية؟ المعاجم العربية القديمة التي تعرف العربي والمسلم والشامي والبغدادي لا تعرف مصطلح المواطن، فهو مصطلح معاصر، مولّد بلغة المعاجم والقواميس. يبدو فعل المواطنة العربي غير قابل للتحقيق. يظهر فعل يواطن عابرا غير قابل للإتمام ولا ينتهي، مثل يواكب أو يواجه أو يواظب. المواطنة العربية - في البلاد"العلمانية"خاصة - فعل"مستمر غير تام"لغة وواقعاً. المواطنة لا تتحقق عربيا إلا في القبر، حيث يصير للمواطن وطن، لا تقتحمه المخابرات من دون أذن نيابة؟ وبما أن النظام لا ينظم سوى الحياة الأمنية، وحتى المقابر يتم نقلها بعد سنوات بسبب غياب النظام عن معظم "المدن"العربية العشوائية، فكثيرا ما تجد لافتات تطلب من الأهالي نقل رفات موتاهم بمهلة محددة. حتى الموتى العرب، يبقون"بدون"، لا يستوطنون في بلدان الصيام الدهري عن... الحرية والكرامة.