ثمة تفسيران لا ثالث لهما للتهديدات الأميركية المتزايدة لإيران بسبب برنامجها النووي: إما أن ادارة جورج بوش تعني ما تقول وتهيئ الأجواء في الولاياتالمتحدة وحول العالم للضربة المقبلة، أو انها قررت عدم المجازفة بحرب أخرى، وهي تحاول إخافة إيران لتوقف تخصيب اليورانيوم. بعد هذا هناك إجماع على نقطة واحدة هي ان دعاة الحرب من داخل الادارة هم بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني الذي يضم مكتبه عدداً من اليهود الأميركيين الليكوديين، حليفهم الاساسي ايليوت ابرامز، مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وهو اسرائيلي قبل ان يكون أميركياً ومتطرّف بامتياز، لا أذكر موقفاً سياسياً واحداً له إلا كان ضد العرب والمسلمين، ولا أفهم حتى اليوم لماذا عفا عنه الرئيس جورج بوش الأب بعد تورطه في فضيحة ايران / كونترا لا بد انه سعد كثيراً وهو يرى مسلمين عراقيين وإيرانيين يقتل أحدهم الآخر وقرر مساعدتهم. هناك في الصحافة الاميركية البديلة، مثل مواقع الانترنت، من يقول صراحة ان أي حرب أميركية على ايران هي لخدمة اسرائيل وبتحريض منها ومن عملائها، فإيران لا يمكن ان تشكل اليوم أو غداً تهديداً أمنياً للولايات المتحدة، وكل حديث غير هذا فجور اسرائيلي أو وقاحة. الصحافة الأميركية التقليدية الرصينة تتجاوز اسرائيل. ولكنها تقدّر حجم الخطر المقبل، والتغطية تكاد تكون إغراقية، وتوقفت في نهاية الاسبوع وأمس عند مقالات في"واشنطن بوست"و"نيويورك تايمز"تلقي ضوءاً جيداً على الكارثة المحتملة المقبلة، وهي مهمة لأهمية كتّابها، ووزن الجرائد التي تنشر لهم. الجنرال ويزلي كلارك كتب تحت العنوان"الحرب التالية"، وقال صراحة ان الصقور في مكتب تشيني يسعون الى الحرب، وسأل إن كان العسكر الاميركيون تعلموا الدروس المطلوبة لخوض حرب والفوز بها. القائد السابق لقوات حلف شمال الاطلسي يعرف موضوعه جيداً، وهو قال ان الاهداف النووية الإيرانية محدودة، الا أنه توقّع غارات مكثفة تستمر 21 يوماً وتدمر مع المنشآت النووية مواقع الرادار والصواريخ والقيادة والسيطرة والسفن وقواعدها، وربما تكليف القوات الخاصة عمليات داخل ايران. الجنرال كلارك يعرف بلاده الا انه لا يعرف بلادنا، لذلك فهو يسأل كيف ترد ايران، وهل تُحرّك خلايا حزب الله عبر أوروبا والشرق الأوسط، وربما داخل الولاياتالمتحدة، وهل تشجع طهران الشيعة العراقيين على الثورة ضد المحتلين الاميركيين. الأجوبة معروفة، حزب الله اللبناني سيضرب اسرائيل اذا ضُربت ايران، غير ان هذا الحزب لا يملك خلايا في الخارج، وبالتالي لن يحرّك شيئاً، غير ان مثل هذه الخلايا موجود، فهناك شيعة في كل بلد متعاطفون مع ايران وهم سيتحركون، الا انهم لا يمثلون حزب الله اللبناني. وبالتأكيد فالشيعة العراقيون سيهاجمون القوات الاميركية بكل ما عندهم اذا ضربت ايران. ديفيد اغناشيوس، وهو معتدل وخبير حقيقي في الشرق الاوسط، أثار في شكل أفضل نقطة تناولها كلارك، فهو قال ان سورية تتوقع اذا ضربت ايران ان تأمر حزب الله بإطلاق صواريخه على اسرائيل، وترد هذه بمهاجمة سورية لتأييدها حزب الله عسكرياً وسياسياً. كل ما عندي عن هذه النقطة هو ان ايران لن"تأمر"حزب الله، بل هو سيرد تلقائياً على ضرب ايران فهو حزب ديني، كما يدل اسمه، وولاؤه لطائفته في كل مكان. مقال اغناشيوس تحت العنوان"تهدئة النزاع مع ايران"يراجع في شكل موضوعي الفرص الديبلوماسية في لبنان والاراضي الفلسطينية وسورية والخليج، ولو ان الادارة الاميركية تصغي لأمثال اغناشيوس لما قامت مشكلة. خطر الوضع انعكس في مقال ثالث في اليوم نفسه كتبه جيم هوغلاند الذي عمل في الشرق الاوسط ويعرفه جيداً تحت العنوان"من الأمل الى الخوف في العراق"، ومع ان الكاتب تناول فشل المشاريع الاميركية في العراق، فإنه حذر من خوف كبير من شل ايران عمل ادارة بوش في العراق، وقال ان الرئيس بوش ينظر الى ايران ككابوس نووي، ويحذر من"هولوكوست"جديد. مقالي أمس كان عن الدكتور محمد البرادعي، بعد افتتاحية ظالمة في"واشنطن بوست"عن رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، وصفته بأنه مسؤول خارج على القانون، أو المسؤولية. وتزامن نشر مقالي مع تحقيق طويل في"نيويورك تايمز"عن الرجل وعمله عطف على الافتتاحية إياها. التحقيق أنصف الرجل فهو لم يقصّر في انتقاده، الا انه قال صراحة انه الامل الوحيد لإيران وخصومها في تجنب مواجهة. ربما كان كذلك، غير ان عصابة الحرب في واشنطن لا تريد أملاً، وإنما عذراً.