ثمة معلومات متراكمة متطابقة، بعضها رسمي موثق وبعضها من مصادر حسنة الإطلاع جداً، تشير إلى ان الولاياتالمتحدة تعتزم ضرب المنشآت النووية الإيرانية عبر غارات جوية كثيفة بالغة الدقة، في الخريف المقبل، أو الربيع على أبعد تقدير. لا أستبعد مثل هذه المعلومات ولا أؤيدها، غير ان رأيي الشخصي هو ان إدارة ديك تشيني جورج بوش مسكين ووزيرا الخارجية والدفاع بريئان وعصابة الحرب من محافظين جدد ورجال اللوبي اليهودي والاعتذاريين الإسرائيليين الآخرين في الإدارة وحولها يخططون لحرب دينية بين السنّة والشيعة تدمر الأمة على مدى عقود مقبلة، وتترك الولاياتالمتحدة وإسرائيل تسيطران على مقدرات الشرق الأوسط في استعمار جديد. هو رأي أرجو من القرّاء ان يحاسبوني عليه بعد سنة من اليوم، وأعد بأن أعود إليه بعد سنة، وكل رجائي ان تكون القيادات المحلية واعية بما فيه الكفاية لإحباط خطط أعداء العرب والمسلمين. أوضح معالم الخطة تحول الإدارة الأميركية في الأشهر الأخيرة من التعامل مع الشيعة ضد السنّة، كما رأينا في العراق، وتشيني، وايليوت ابرامز وآخرون قرروا التعاون مع الغالبية السنية في المنطقة، لاحتواء الخطر الإيراني. بكلام آخر، بسيط إلى درجة ألا يكون دقيقاً يأخذه القارئ حرفياً، إدارة تشيني قررت ان القاعدة خطر أقل من إيران نووية. ربما أعدت بدء التخطيط لحرب دينية إلى 14/1/2007 عندما قال نائب الرئيس تشيني لمحطة"فوكس نيوز"ان امتلاك إيران أسلحة نووية خطر يهدد الجيران والاقتصاد العالمي، واتهم إيران باستخدام منظمات إرهابية لتهديد الآخرين، وزعم ان دول الخليج والأردن وإسرائيل تخاف من الخطر الإيراني، وضم إسرائيل عمداً إلى مجموعة دول عربية ضد إيران. منذ تلك البداية وعصابة الحرب تروّج لحرب باردة جديدة مع إيران، وأبدى نورمان بودهورتز، وهو من أكثر المحافظين الجدد وأخطرهم، وقاحة متناهية في مقال بعنوان"قضية قصف إيران بالقنابل"، فهو زعم ان الديبلوماسية مثل محاولة استرضاء النازيين، وقارن الرئيس محمود أحمدي نجاد بهتلر، وزعم ان إيران تريد تغيير النظام العالمي واستبدال نظام جديد به تسيطر عليه إيران. إيران في حجم ألمانيا النازية أو الاتحاد السوفياتي؟ المقارنة عبث مطبق، وأحمدي نجاد يشكل خطراً على شعبه قبل الآخرين، ويستحيل تصور إيران على رأس نظام عالمي جديد، فهذا جنون، غير ان عصابة الحرب التي خطفت السياسة الخارجية الأميركية تقود هذه السياسة باتجاه تحالفات هدفها إثارة حرب دينية بين المسلمين تدمر الأمة. وأتوقف هنا لأقول بأوضح عبارة ممكنة ان الذين يفتون بتكفير الشيعة، وان الذين يشتمون أبا بكر وعمر من على مآذن ومنابر هم حلفاء عصابة الحرب وأكبر عون لها في الإيقاع بين المسلمين، فالمسؤولية مشتركة ولا يمكن ان تحمل الطرف الآخر حصته من الجريمة المدبرة من دون ان نعطف على عمى البصيرة عند بعضنا. بودهورتز لم يكن وحده في التحريض فهناك كل يوم شيء جديد، ووليام كريستول، رئيس تحرير"ويكلي ستاندارد"الناطقة باسم المحافظين الجدد قال إن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عرضت مفاوضة إيران قبل 14 شهراً من دون نتائج، وإيران ماضية في برنامجها النووي. عصابة الحرب تزعم ان إيران مسؤولة عن ثلث القتلى من الجنود الأميركيين في العراق. وعن دعم الميليشيات الشيعية في ضرب المنطقة الخضراء في بغداد. ومايكل روبن من معهد أميركان انتربرايز، معقل المحافظين الجدد حذر من ان مصالح أميركا وإيران في العراق متناقضة. امّا معهد هرتدج المتطرف فأصدر دراسة بعنوان"إيران: الخطر المتفاقم". وفعل مثله معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فأصدر دراسة بعنوان"كبح آيات الله"كتبها باتريك كلوسون ومايكل ايزنستات أكدا فيها ان الديبلوماسية لن تنجح وإيران النووية تحدٍ خطير يجب وقفه. مرة أخرى، أقول إن الموضوع ليس إيران وحدها، فعصابة الحرب تريد تدمير المنشآت النووية الإيرانية، إلا ان الهدف النهائي إدخال العرب والمسلمين في حرب دينية، نرى إرهاصات لها في العراق اليوم، وما التحول عن الشيعة في العراق إلى الميليشيات السنية هناك، والتغاضي عن"التطرف"السني لمواجهة"الخطر"الإيراني سوى خطوة على طريق تحقيق الهدف الحقيقي لإدارة تشيني. هذه الإدارة تزود الدول العربية السنية المعتدلة ببلايين الدولارات من الأسلحة، لأنها تريد منها ان تقف سداً في وجه أطماع إيران ونفوذها. غير ان صدام حسين قام بالمهمة وساعدته الولاياتالمتحدة نفسها في حرب الثمانينات ضد إيران. والآن يُراد منا ان نصدق ان إدارة جورج بوش وهذا اسمها الرسمي دمرت الحاجز القائم فعلاً ضد إيران، وجاءت الآن إلى مجموعة دول قريبة وبعيدة لبناء الحاجز من جديد. "نيويورك تايمز"نشرت في 12 الجاري خبراً حمل تاريخ 11/8، قال إن غالبية المرشحين للرئاسة الأميركية يريدون بقاء القوات الأميركية في العراق سنوات، وكل مرشح يقدم أسبابه، وأقول إن السبب الصحيح هو السيطرة على نفط المنطقة، وبسط نفوذ أميركي - إسرائيلي عليها. خبر الجريدة قال إن خبراء يقدرون ان انسحاب القوات الأميركية من العراق يحتاج إلى سنوات، ومطلوب منا ان نصدق هذا، ونحن نعرف أن في العراق الآن 150 ألف جندي أميركي، وان 800 ألف جندي، بينهم نصف مليون أميركي انسحبوا من الخليج كله خلال ثلاثة أشهر من تحرير الكويت. أرجو عندما أعود إلى هذا الموضوع بعد سنة ان أقول إن الشعوب العربية والمسلمة وقياداتها كانت واعية ومنعت وقوع حرب بين المسلمين.