يهدد قيام جمهورية إسلامية على الطريقة الايرانية في العراق كل بلد في المشرق العربي وكل شعب. الحزبان الكبيران في التحالف الشيعي الحاكم في العراق، ومعهما بعض الاحزاب الصغيرة، يريدان جمهورية إسلامية في جميع العراق، فإن لم يكن ففي الجنوب وحده، حيث أصبحت مظاهر الحياة اليومية تعكس النموذج الايراني فعلاً، قبل الاختلاف على الدستور أو الاتفاق، وقبل الاستفتاء على الدستور، أو التصويت في انتخابات عامة. السيد عبدالعزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، يريد جمهورية إسلامية، وربما كان يفضّل عليها منطقة حكم ذاتي شيعية في المحافظاتالجنوبية التسع من العراق، حيث يوجد أكثر مخزون العراق من البترول. وفي حين يؤيد حزب الدعوة الذي يترأسه رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري الحكم الذاتي في جنوبالعراق، فإن حماسة السيد الحكيم أكبر، وهو كان عاش طويلاً في ايران كأخيه الراحل السيد محمد باقر الحكيم، وقد حاربت جماعته الى جانب ايران ضد نظام صدام حسين في الثمانينات، ومع ان آية الله الخميني أراد تصدير الثورة ورفض وقف إطلاق النار الذي قبله الرئيس العراقي، فإن السيد عبدالعزيز الحكيم اعتذر لايران كغيره من زعماء الشيعة وطالب بدفع تعويضات لها، ثم أنكر ذلك بسبب الضجة التي استقبل بها موقفه. ولا يزال المجلس الأعلى حتى اليوم يتلقى مساعدات ايرانية من كل نوع. لا أتهم أحداً من قادة الأحزاب الشيعية في العراق بالعمل لاسرائيل أو التعامل. فالغباء كان دائماً أكثر من الخبث أو التآمر، ولكن اسأل المواطن العربي في كل بلد، الشيعي قبل السنّي أو المسيحي، هل هناك شيء في العالم كله يخدم اسرائيل أكثر من قيام دول دينية في المشرق العربي، تبرر وجود اسرائيل كدولة دينية، أو لدين واحد؟ السؤال ليس أكاديمياً، ومع ان البداية في العراق، فإننا نجد ان في كل بلد عربي البديل من الحكم القائم هو أحزاب دينية. والكارثة الانسانية في بغداد أمس ربما كانت مؤشراً من أعلى الى خطر بعض الممارسات على أصحابها قبل الآخرين. نقول"اذا كرت المسبحة"، ويقولون"تأثير حجارة الدومينو"، والمعنى واحد، فإذا قامت دولة إسلامية في العراق، واذا استمر الضغط على سورية ولبنان وكل بلد، هل تقوم دولة للمسيحيين في جبل لبنان، وللشيعة في البقاع والجنوب، وللسنّة في الشريط الساحلي وعكار؟ وهل تقوم دولة علوية في جبال العلويين في سورية، ودولة درزية في جبل الدروز، ودولة سنّية حول دمشق؟ وهل يخلف الاخوان المسلمون، أو نموذج عنهم، الحكومات القائمة في بلدان عربية أخرى؟ هذا أفضل لاسرائيل من حرب تنتصر فيها على العرب. كتبت قبل أيام ان العراق كما نعرفه انتهى، ولا أزال عند رأيي ثم لا أزال أدعو ان أكون مخطئاً. اليوم أقول ان المشرق العربي كما نعرفه سينتهي اذا لم يحبط مخطط الدولة الدينية في العراق. ومرة أخرى، أدعو ان أكون مخطئاً، الا ان ما وصلت اليه بالقراءة والتحليل واستشارة من أثق بعقولهم، وجدت ما يؤيده، فالسيد عمار عبدالعزيز الحكيم قال وهو يزور الولاياتالمتحدة ما وصلت اليه من طريق التحليل. عمار الذي عاش في ايران أكثر مما عاش في العراق أسمع الأميركيين في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي كل ما يحبون ان يسمعوا، فالرئيس بوش لعب"دوراً عظيماً"في إعطاء العراقيين فرصة لبناء الديموقراطية، والدستور الجديد سيبني عراقاً مستقراً متوازناً تُعامل فيه جميع الطوائف بعدالة ومساواة، والفيديرالية ستسهل قيام أنظمة حكم ذاتي محلي مثل الولاياتالمتحدة. طبعاً كل ما سبق غير صحيح، وهو غير مهم طالما انه مجرد نفاق لادارة بوش. الا ان الأهم منه ان عمار عبدالعزيز الحكيم دعا الى تحالف استراتيجي بين الشيعة وواشنطن، والصحافي البارز ديفيد اغناثيوس قابل عمار الحكيم ونقل عنه في تعليق له في"واشنطن بوست". وثقتي بكلام ديفيد، وبدقته في النقل والتحليل كاملة، فهو من أوسع الصحافيين الأميركيين معرفة بمنطقتنا. ديفيد اغناثيوس يقول عن التحالف المقترح ان هناك مجموعات شيعية قوية في لبنان وسورية والمملكة العربية السعودية. وطبعاً فإيران شيعية في غالبيتها العظمى. هل تستطيع الولاياتالمتحدة التعامل، أو التعاون، مع ايران وهذه تسعى لامتلاك سلاح نووي؟ أؤيد ايران في امتلاك سلاح نووي طالما ان اسرائيل تملكه مع تفضيلي شرق أوسط مجرداً من كل أسلحة الدمار الشامل. ولكن حتى اذا فكرت واشنطن مرتين، هل تستطيع اسرائيل بهواجسها الأمنية، ان تتحمل برنامجاً نووياً ايرانياً يسير الى نهايته المنطقية، وايران تملك صواريخ تستطيع الوصول الى اسرائيل؟ يبدو ان دعاة الجمهورية الإسلامية في العراق يشعرون بأنهم يستطيعون ضمان الولاياتالمتحدة الى جانبهم، في مقابل تحريك الأقليات الشيعية في البلدان العربية، خصوصاً تلك البلدان التي لا تقبل كل الاملاءات الأميركية، أو حيث يوجد النفط. موقف المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ليس موقف كل قادة الشيعة في العراق والخارج، وهو حتماً ليس موقف الزعيم الشاب مقتدى الصدر الذي يبدو أكثر حكمة وفهماً للأوضاع من كثيرين يفترض ان يتصرفوا من منطلق خبرة العمر لا عُقَده. وفي حين ان المواجهة الأخيرة بين رجال كتائب بدر وجيش المهدي لم تكن لها علاقة مباشرة بالفيدرالية والحكم الذاتي في الجنوب، فإن الملاحظ ان السيد مقتدى الصدر لم يحسم أمره بعد. وهو لا بد من ان يكون أكثر حذراً بعد الاعتداء على مكتب والده آية الله محمد باقر الصدر، رحمه الله، فقد كنا نفترض ان مكانة الزعيم الراحل الذي اغتاله نظام صدام حسين مع اثنين من أبنائه سنة 1999 تعطيه مناعة من أي اعتداء. أيضاً السيد حسن نصر الله لا يمكن ان يقبل قيام دولات دينية، أو دويلات، فهو بين أفضل قادة الشيعة في العالم فهماً للسياستين الاقليمية والدولية، وقيادته تتجاوز دوره الشيعي المباشر، ولا يمكن ان يوافق على طبخة البحص التي تدبر في جنوبالعراق. اذا خسر العرب، وفي مقدمهم الشيعة العرب، المعركة في العراق، ستصبح خسائر الجيلين الأخيرين منا ألعاب أطفال بالمقارنة.