الأعاصير ظواهر طبيعية في العالم، لكن العلماء يحذرون من أنها على ازدياد واشتداد، ويعزون ذلك الى تغير المناخ، الذي يتسبب أيضاً في ارتفاع البحار نتيجة تمدد المياه وذوبان الجليد، مما ينذر بغرق شواطئ وجزر ومنخفضات. ثمة إجماع علمي على المشكلة، مع أن هذه أمور لا يمكن فحصها في المختبر. وقد وضعت هيئة المناخ الدولية IPCC سيناريوهات لارتفاع البحار بين 18 و59 سنتيمتراً خلال هذا القرن، فيما وضعت دراسة مقارنة للبنك الدولي سيناريوهات لتأثيرات ارتفاع البحار بين متر وخمسة أمتار، علماً أن هذه التوقعات لم تأخذ في الحسبان جميع الآثار المحتملة لذوبان جليد غرينلاند وأنتارتيكا الذي يحوي مياهاً يمكن أن ترفع مستوى البحار 70 متراً. هناك 18,000 كيلومتر من السواحل العربية المأهولة. وبحسب السيناريوهات العلمية، ستكون المنطقة العربية وشرق آسيا الأكثر تأثراً بين أقاليم العالم. والسؤال: كم العرب مستعدون لارتفاع البحار الذي بات أكيداً؟ لم تحتفل سلطنة عمان بيوم البيئة العالمي هذه السنة، ففي 5 حزيران يونيو كانت على موعد مع الاعصار. لكن"غونو"، أشرس الأعاصير التي شهدها شبه الجزيرة العربية منذ بدء التسجيلات عام 1945، كان تجسيداً حياً لعواقب تغير المناخ، موضوع الساعة وشعار يوم البيئة العالمي 2007. بدأ تكوّن الاعصار قبالة جزر مالديف في المحيط الهندي في 1 حزيران يونيو، وبلغ ذروته في 3 منه بوصول سرعة دورانه الى 260 كيلومتراً في الساعة، وتوجه نحو الشمال الغربي الى بحر العرب إعصاراً من الفئة الخامسة، وهي أعلى فئة للاعصارات. فضرب سواحل عُمان الشرقية في 5 و6 حزيران يونيو، ثم توجه شمالاً نحو سواحل الاماراتالشرقية وسواحل ايران الجنوبية الشرقية ومضيق هرمز، وكان يضعف تدريجياً وهو يتحرك عبر بحر العرب حتى تلاشى في 7 حزيران يونيو. وقد صاحبته أمطار غزيرة وأمواج عالية بلغ ارتفاعها 12 متراً في بعض السواحل. وهو خلف نحو 70 قتيلاً وعشرات المصابين ودماراً في نحو ألف قرية. الأعاصير ظاهرة طبيعية مألوفة في بحر العرب، حيث يمكن أن تضرب أي منطقة من الهند حتى الصومال، إلا أن معظمها ينتهي في البحر ولا يصل الى الشواطئ. وتتعرض عُمان لاعصار كل 3 الى 5 سنوات. وكانت الأعاصير السابقة، وآخرها عام 2002، تضرب البلاد على مسافة أبعد جنوباً. لكن"غونو"اتخذ مساراً نوعياً اذ توجه مباشرة صوب خليج عمان. لا مجال حالياً للتنبؤ بوقوع إعصار، ولا تأكيد مساره المحتوم لأنه قد يتغير في أي وقت. لكن المؤكد أن الأعاصير تزداد تكراراً وشدة حول العالم، ويزداد خطرها مع ازدحام المناطق الساحلية بالسكان والعمران. والسبب، كما يقول العلماء، هو تغير المناخ وما يرافقه من ازدياد الكوارث الطبيعية، مثل العواصف والأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات. وقد بلغت الخسائر الاقتصادية نتيجة الكوارث المرتبطة بالأحوال الجوية أكثر من 200 بليون دولار عام 2005، بحسب تقرير شركة"ميونيخ ري"العالمية لاعادة التأمين، فتجاوزت خسائر العام 2004 الذي كان قياسياً حتى ذلك الحين حيث بلغت 145 بليون دولار. لكن تغير المناخ، الذي يسببه الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة من حرق الوقود الاحفوري، لا يقتصر أثره على الكوارث الطبيعية. فهو يؤدي أيضاً الى ذوبان الكتل الجليدية ورفع منسوب البحار وإغراق سواحل وجزر وأراض منخفضة، الى جانب انتشار الجفاف. البنك الدولي: المنطقة العربية وشرق آسيا الأكثر تأثراً بارتفاع البحار اعتبرت دراسة تحليلية مقارنة أصدرها البنك الدولي في شباط فبراير 2007 أن هناك مؤشرات علمية على أن مستويات البحار قد ترتفع ما بين متر وثلاثة أمتار خلال هذا القرن بفعل الاحتباس الحراري، كما أن التفكك السريع للصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب أنتارتيكا قد يرفعها خمسة أمتار. وتوقعت نتائج الدراسة أن يعاني شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكبر التأثيرات النسبية بين أقاليم العالم. و سوف يتأثر 3,2$ من سكان المنطقة في مقابل 1,28$ عالمياً، و1,49$ من ناتجها المحلي الاجمالي في مقابل 1,30 عالمياً، و1,94$ من سكان مدنها في مقابل 1,02$ عالمياً، و3,32$ من أراضيها الرطبة في مقابل 1,86$ عالمياً. وباستثناء المساحة الأرضية، ستكون التأثيرات في هذه المنطقة أشد بكثير مما في أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي. وتدل جميع المؤشرات على أن مصر ستكون بين البلدان الخمسة الأكثر تأثراً في العالم بارتفاع مستويات البحار. فعند ارتفاعها متراً واحداً سيتأثر نحو 10$ من سكان مصر، وصولاً الى 20$% اذا ارتفعت 5 أمتار، خصوصاً في دلتا النيل. وسيتأذى ناتجها المحلي الاجمالي، فحتى بارتفاع متر واحد سيتأثر نحو 12,5$ من رقعتها الزراعية. وستصل هذه النسبة الى 35$ اذا ارتفعت البحار 5 أمتار. وسيتأثر 8$ من سكان موريتانيا و5% من سكان الامارات وتونس بارتفاع متر واحد، كما سيخسر الناتج المحلي الاجمالي في موريتانيا 10%. الامتداد المديني في المنطقة العربية سيتأثر الى حد بعيد أيضاً. ففي مصر وليبيا والامارات وتونس سيصل التأثير الى نحو 5$ بارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وبين 6 و7$ بارتفاعها مترين، ونحو 10$ بارتفاعها 5 أمتار. وستتأثر الأراضي الرطبة في قطر الى حد بعيد، والى حد أقل في الكويت وليبيا والامارات. وسيكون التأثير على السكان والامتداد المديني والرقعة الزراعية والأراضي الرطبة هو الأكبر في شمال أفريقيا بارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، لكنه سيكون الأكبر في شرق آسيا اذا ارتفعت 5 أمتار. الى وقت قريب، توقعت الدراسات ارتفاع مستويات البحار بحدود متر واحد خلال القرن الحالي. وكان متوقعاً أن يكون التمدد الحراري للمحيطات هو العامل المهيمن، لكن بيانات جديدة حول سرعة ذوبان الجليد في غرينلاند وأنتارتيكا فرضت أهمية أكبر لهذا العامل الثاني. فالصفائح الجليدية فيهما تحوي مياهاً كافية لرفع مستوى البحار 70 متراً، ومن شأن تغيرات صغيرة في حجمها أن تخلف أثراً كبيراً. البحار ترتفع 3 مليمترات سنوياً أما التقرير الرابع الجديد للجنة الحكومية الدولية بعنوان"تغير المناخ"2007، الذي أعده أكثر من 600 خبير من 40 بلداً في ثلاثة أجزاء، فقد نشر منه جزءان على أن ينشر الجزء الأخير في تشرين الأول أكتوبر المقبل. وهو يؤكد أن"احترار النظام المناخي لا لبس فيه"، ملاحظاً أن كمية ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي عام 2005 379 جزءاً في المليون فاقت كثيراً المدى الطبيعي خلال ال 650 ألف سنة الأخيرة 180 300 جزء في المليون. وأصبحت الأيام والليالي الباردة وأحداث الصقيع أقل تكراراً، بعكس الأيام والليالي الحارة وموجات الحر. وصنفت 11 سنة من السنوات ال 12 خلال الفترة 1995 - 2006 بين السنوات ال 12 الأشد دفئاً منذ بدء التسجيل الآلي عام 1850. وارتفع معدل الحرارة العالمية خلال ال 100 سنة الأخيرة نحو 0,74 درجة مئوية. وانحسرت أنهار الجليد والغطاء الثلجي في الجبال في نصفي الكرة الأرضية، وذابت صفائح جليدية أرضية في غرينلاند وأنتارتيكا. وقد ارتفع مستوى البحر بمعدل 1,8 مليمتر سنوياً خلال الفترة 1961 2003، لكنه خلال الفترة 1993 2003 ارتفع 3,1 مليمترات سنوياً. وبناء على خمسة سيناريوهات للاحترار العالمي الناجم عن تضاعف تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، توقع التقرير الجديد للهيئة الحكومية الدولية بشأن تغير المناخ أن يرتفع متوسط الحرارة العالمية خلال القرن العشرين درجتين مئويتين على الأقل و4,5 درجات كحد أقصى، مع 3 درجات كمعدل وسط. كما توقع ارتفاع مستوى البحار 18 38 سنتيمتراً وفق سيناريو منخفض و26 59 سنتيمتراً وفق سيناريو مرتفع، علماً أن جميع السيناريوهات لم تدخل في حسابها تكسر الصفائح الجليدية في غرينلاند وأنتارتيكا بسبب نقص المعلومات. لكن التقرير أشار الى توقعات باحتمال اختفاء الجليد البحري القطبي أواخر الصيف في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. كم العرب مستعدون؟ أعدت بلدان عربية تقارير تقييمية لتأثر المناطق الساحلية بتغير المناخ. وأجرت مصر وجيبوتي وموريتانيا وتونس والمغرب وجزر القمر تقييمات وفق سيناريوهات مختلفة لارتفاع مستوى البحر. وشملت التأثيرات الرئيسية التي تم تحديدها تغير معالم الخطوط الساحلية، وتزايد الملوحة في مصبات الأنهار والأراضي الرطبة مما يتسبب بموت أشجار القرم المنغروف، وتسرب المياه المالحة الى طبقات المياه الجوفية، وانخفاض انتاجية مصائد الأسماك، ودمار الشعاب المرجانية، وتأذي المجتمعات والبنى التحتية الساحلية. وأشارت مصر الى ضرورة تطوير استراتيجية لنزوح ما لا يقل عن مليوني شخص من أنحاء دلتا النيل، متوقعة إغراق أراض خصبة فيها. عبرت جميع البلدان العربية التي قدمت تقارير عن الحاجة الى تنفيذ إجراءات تكيّفية، وصفتها بأنها برامج مستقبلية وأبحاث جارية، مدرجة خيارات وحاجات محتملة. ولكن لم يورد أي بلد منها معلومات عن تنفيذ أي اجراء من هذا النوع. فلا خطط لنقل المراكز السكانية أو تصنيفها وفق سيناريوهات ارتفاع مستوى البحار، فيما تزدهر"صناعة"الجزر الاصطناعية بردم البحر. ولا مشاريع لبنى تحتية ملائمة. في بلدان الخليج مثلاً، حيث تغرق الشوارع حين تمطر، يتم ضخ المياه في صهاريج بدل إنشاء شبكات لتصريف مياه الأمطار. في هذه الأثناء، تستعد بلدان ساحلية حول العالم لمواجهة ارتفاع البحار. هولندا، على سبيل المثال، تبني سدوداً بحرية عملاقة لدرء الخطر عن سواحلها. وقد صنفت مساحات من أراضيها المنخفضة للمراعي بحيث يغمرها الطوفان حين يأتي فلا يكون فيها عمران. فمتى تستفيق الدول العربية وتتحضر للاجتياح الآتي؟ ينبه العالم المصري البارز الدكتور محمد القصاص الى أن للبلاد العربية سواحل بحرية تمتد آلاف الكيلومترات، بينها مناطق مأهولة تقع على 18000 كيلومتر. والنطاقات الساحلية العربية عامرة بالمدن ومستقرات السكن ومراكز الصناعة والتنمية التي يتهددها ارتفاع سطح البحر. والنطاقات المنخفضة مثل دلتا نهر النيل وشط العرب تواجه مخاطر الغرق. ان ارتفاع مستوى البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب والمحيطين الهندي والأطلسي يهدد السواحل العربية. ومع ذلك، يقول الدكتور قصاص،"لا أجد في بلاد الاقليم العربي آذاناً صاغية لهذا الأمر، ولا أحد يتدبر السبل لدرء هذه المخاطر". وهو دعا الى إنشاء لجنة عربية مدعومة سياسياً، تحشد الامكانات العلمية في الجامعات ومراكز البحوث العربية، للقيام بدراسات الآثار المحتملة لتغيرات المناخ وسبل الحد من عواقبها. ينشر بالتزامن مع مجلة"البيئة والتنمية"العدد السنوي الخاص تموز آب / يوليو أغسطس 2007