نظم حلف شمال الاطلسي ناتو مناورة عسكرية في مرفأ أوديسا الاوكراني. ومعظم المشاركين هم جيران روسيا. فلا عجب اذا داخلها الارتياب. ويغذي الارتياب الروسي هذا، خوض روسيا والغرب منافسة كبيرة على النفوذ العالمي مسرحها اجزاء عريضة من الكوكب، من القطب المتجمد شمالاً الى آسيا الوسطى شرقاً والشرق الاوسط جنوباً. وبينما يتكلم فلاديمير بوتين على بعث القوة الروسية، يخسر الكرملين نفوذه على جيران روسيا الاقرب. فمنذ تسلم الرئيس السلطة، في العام 2000، انضمت استونيا ولاتفيا وليتوانيا، جمهوريات البلطيق الثلاث، الى حلف"الناتو". ويسعى الحلف نفسه في نسج علاقات متينة بأوكرانيا وجورجيا ومولدافيا. وهذه البلدان أطاحت، في غضون السنوات القليلة المنصرمة، حكومات موالية لموسكو، وانتخبت محلها حكومات تسعى الى الانخراط في الغرب. ويقول ساكاشفيلي، الرئيس الجورجي"نحن جيران روسيا، ولسنا ملكية روسية. وتحررنا لا يجعلنا جزءاً من معسكر أميركي يحارب روسيا، والحقيقة ان ما يربطنا بالغرب هو اشتراكنا في قيم الديموقراطية". ولكن الكرملين لا يريد الاقرار بهذا. وهو يقدم أولوية قاطعة، الحؤول دون استتباب نفوذ الولاياتالمتحدة على الحزام الذي كان يحوط روسيا تحت اسم الاتحاد السوفياتي. وتتصدر السياسة الروسية هذه مهمة عاجلة هي الاجهاز على سعي الولاياتالمتحدة في نصب درع مضادة للصواريخ البالستية ببولندا، ورادار انذار مبكر بتشيخيا. ويرى الكرملين ان الجهاز المزدوج هذا لا يرمي الى حماية أوروبا من الصواريخ الايرانية أو الكورية الشمالية، بل يراد به اضعاف القوة النووية الروسية وشلها. ويحشد بوتين المساندة الديبلوماسية التي تحمل الولاياتالمتحدة على العودة عن خطتها، ويناهض استقلال كوسوفو آملاً بمقايضة الاستقلال هذا إما بلجم توسع"الناتو"أو بالتخلي عن الدرع المضادة للصواريخ. وفي المسألة الايرانية تزدوج السياسة الروسية. فهي من وجه أول، تماشي الدعوة الأميركية الى عزل طهران، ومعاقبتها على المضي على برنامجها النووي. ومن وجه آخر، تضم ايران نفسها الى منظمة شنغهاي للتعاون تحت لواء روسيا والصين. فلا تبطل الخشية من امتلاك ايران سلاحاً نووياً ارادة موسكو حشد ايران في حلف اقليمي يتولى التصدي للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. وتتوسل روسيا الى غايتها بوسائل قديمة تعود الى الحقبة السوفياتية. وأحد الامثلة على هذا تهديد النائب الاول لرئيس الوزراء، سيرغي ايفانوف، بنشر صواريخ كروز في قطاع كالينينغراد، بين بولندا وليتوانيا، رداً على انفاذ واشنطن خطتها المضادة للصواريخ. وتحشد موسكو سلاح الطاقة في حملتها الديبلوماسية. وهو سلاح مدمر. ففي مستطاع الكرملين تدمير اقتصاد بلد من البلدان المجاورة التي تعول على امدادات الطاقة من روسيا، في غضون أيام، على قول ديبلوماسي أوروبي شرقي. فنحو ثلث استهلاك المانيا من الغاز الطبيعي مصدره روسيا. والحال هذه حملت انغيلا ميركل، المستشارة الالمانية، الى التحفظ عن الالحاح على بوتين في شأن حقوق الانسان. فيصور الكرملين الغرب في صورة المتخلي عن الديموقراطية لقاء دوام التغذية بالنفط والغاز. ويتعمد"غازبروم"عملاق الطاقة الروسي، استمالة بلغاريا والمجر وايطاليا بأسعار خاصة، واخراجها من المسعى الاوروبي في سبيل مد خط أنابيب يصل مصادر الغاز في اذربيجان بأوروبا من غير المرور بروسيا. ويبذل بوتين جهوداً حثيثة في سبيل انشاء منظمة منتجين غير معلنة تضم ايران وقطر والجزائر الى روسيا وتملك الكلمة الفصل في اسعار الغاز وأسواقه. ويتصدى جيران روسيا لسياستها هذه، وتساندهم واشنطن مساندة متقطعة. فعما قريب، تنقل أنابيب النفط الجديدة الذهب الأسود من أذربيجان، ومن كازاخستان، الى موانئ على المتوسط، وتنقل الغاز الى تركيا، من غير وسيط روسي، ومن هذه وتلك الى اوروبا. ووقع حلف من جورجيا وأوكرانيا وأذربيجان ومولدافيا اتفاقاً يقضي بنقل نفط اذربيجان وكازاخستان في خط انابيب أوله في ادويسا ومصبه ببولندا. وتنخرط جيوش بلدان شرق أوروبا في"الناتو"وأبنيته وتجهيزاته وتدريبه. وقد تنضم السويد وفنلندا، المحايدتان، وجارتا روسيا، الى الحلف هذا. فهل تؤدي السياسات المعقدة هذه الى اسدال ستار حديدي جديد بين روسيا وبين جوارها؟ ويجيب الرئيس الجورجي بالنفي. ويقول:"بيانات الكرملين المناوئة لأميركا موقتة وعابرة. فالنخبة الروسية لا ترغب في شيء مقدار رغبتها في أن تكون جزءاً من أوروبا". وهذا لا يجافي الصواب. ولكن ما دام الكرملين مسترسلاً في احلامه الامبراطورية المتجددة، فلن يشعر جوار روسيا القريب بالامن الا في ظل المنظمة الاطلسية التي ترفرف عليها اعلامهم جنباً الى جنب العلم الأميركي. عن أوين ماثيوز،"نيوزويك"الأميركية، 24/7/2007