تختلف توجهات الشباب السويسري في قضاء عطلة الصيف، بين من يستغلها في العمل لتوفير بعض الأموال لأيام الدراسة، وبين من يفضل الترحال والسفر، فيما يتنقل هواة الموسيقى بين الحفلات الكثيرة التي يزخر بها موسم الصيف. لكن مجموعة أخرى تستغل العطلة في العمل التطوعي الخيري، سواء في سويسرا أم خارجها، وهذه الفئة هي التي تنظر إلى هذا النشاط على أنه واجب انساني ومهمة قومية، وإثراء للتجارب الشخصية، يمكن الإستفادة منها في الحياة العملية مستقبلاً. وتختار هذه المجموعة التي تعمل في إطار اتحادات الطلبة وجمعيات الشباب، العمل في المناطق التي توصف بأنها تمر بأزمة، ويعتقد الشاب أن في إمكانه المساهمة فيها. فعلى سبيل المثال ظهرت في السنوات الأخيرة مشكلة سكان المناطق الجبلية السويسرية، الذين يعانون الفقر وضيق ذات اليد، لتراجع الاهتمام بهم وبما يقدمونه من منتجات. ولأن معظم سكان هذه المناطق الجبلية لا يجيدون أي عمل آخر سوى الزراعة والمنتجات المتعلقة بها، فليس من السهل عليهم البحث عن عمل آخر. وتقول فيرونيك إنها اختارت هذا النشاط التطوعي ايماناً منها بأن هذه التقاليد المتوارثة لا بد من أن تبقى، وأن هؤلاء البسطاء يجب أن يشعروا بأن هناك من يحترم عملهم ويقدره. ما تقوم به فيرونيك 21 عاماً هو ببساطة"فلاحة تحت التمرين"، فقد عرضت خدماتها على احدى الأسر التي رحبت بها، وكل ما يمكن أن تقدمه لها تلك الأسرة هو مكان للمبيت والمشاركة في وجبات الطعام، في مقابل أن تساعد في الأعمال التي لا تتطلب مجهوداً جسدياً كبيراً. وتقول فيرونيك:"الحياة الريفية في الجبال مختلفة تماماً عن الريف في السهول والوديان، هنا الهدوء والطبيعة الساحرة والنمط التقليدي للحياة البسيطة". يبدأ يوم فيرونيك في الساعات الأولى من الصباح، فهي تساعد في حلب الأبقار - بواسطة الأجهزة طبعاً - ثم تقوم بحساب الإنتاج، قبل ان يتم السماح للأبقار بالذهاب إلى الحقول التابعة للمزرعة. المرحلة الثانية تبدأ مع الفطور والقهوة، إذ تناقش مع العائلة المضيفة أعمال اليوم، فهي مثلاً تعد برنامجاً تربوياً لأطفال تلك الأسرة، تعطيهم بعض التمارين في القراءة والكتابة والحساب، كي تتمكن الأم من انجاز بعض المهمات الصعبة في الحظيرة، ثم تتعاون معها في ما بعد في جمع كومات القش وتحويلها إلى المخازن. ثم تعاون فيرونيك الأسرة في جمع الثمار وتصنيفها وتعبئتها بانتظار نقلها إلى الأسواق الشعبية لبيعها لمحبي المنتجات الطبيعية، وعند المساء تبدأ رحلة إعادة المواشي إلى الحظيرة مرة أخرى، فالخلود إلى النوم استعداداً ليوم جديد. قد يكون هذا النمط الكلاسيكي من الحياة غير عادي لفتاة أوروبية، لا تلفاز ولا ديسكو، لأن الحياة هناك تتوقف عند الثامنة مساء، فقط صوت قنوات المذياع المحلية التي تركز في الأساس على الأحوال الجوية والتقلبات المتوقعة. وتؤكد فيرونيك أن هذا العمل يعطيها الشعور بأنها مواطنة صالحة،"فمئات الأسر الجبلية تحتاج إلى من يعمل معها في موسم الصيف بالتحديد، ولكن لأن مواردها المالية قليلة، فهي ترحب بمثل هذه الجهود التطوعية". شهر كامل ستقضيه فيرونيك عند هذه الأسرة، وتعتقد أنها ستعود بعدها بالمزيد من الخبرات والتجارب، ستضعها في تقرير يكون تحت تصرف زملائها في الاتحاد للاستفادة منه مستقبلاً، فقد يقرأه أحد الزملاء أو الزميلات، ويقرر تكرار التجربة في ما بعد. مجموعة أخرى من الشباب اشتركت في مشروع"فوالا"لتقديم النصائح والإرشادات الصحية للشباب للإقلاع عن المخدرات والتدخين والكحوليات، والتخلص من الوزن الزائد. وتقول بيترا المسؤولة عن هذا المشروع:"نجحنا في تجنيد 400 شاب على مستوى سويسرا للحصول على دورات تدريبية حول كيفية توعية نظرائهم بمخاطر التدخين والكحوليات والمخدرات، وتشجيع من يعانون السمنة المفرطة على مواجهة هذه المشكلة بطرق عملية". وتتابع بيترا:"قررنا هذا الصيف القيام بحملة واسعة في الحفلات الموسيقية والأماكن التي يتجمع فيها الشباب على شواطئ البحيرات مثلاً أو في وسط المدينة، حيث نعرض لوحات كبيرة توضح بالصورة والكلمات البسيطة المخاطر التي تنتظر المدمنين والمدخنين، وأحياناً يبدأ المتطوعون الحديث مباشرة مع المعنيين بالمشكلة". ويعتقد ميشال أن هذا العمل مهم للغاية، فهو على قناعة تامة بأن أغلب من يقعون في شراك الإدمان بمختلف أنواعه لا يدركون خطورته بالشكل الكافي، ولذا يلجأ في عمله التطوعي هذا إلى إشراك الشباب في حل المشكلة. ويقول:"يحدث أحياناً عند مشاركتنا في حملة التوعية في إحدى الحفلات الموسيقية، أن يصاب شاب بالإعياء أو يفقد وعيه بسبب الإفراط في الكحوليات، فنتدخل ونتصل بالإسعاف، لكننا نشرك مجموعة من الشباب الحاضرين معنا، كي يلمسوا خطورة الموقف، فمن يشارك في عملية الإنقاذ ولو بمجهود بسيط، ليس كمن سمع فقط عن شاب سقط مغشياً عليه". مجموعة ثالثة من الشباب تطوعت لإعداد برامج ترفيهية لمن يعانون إعاقات فتنظم لهم رحلات الى المتاحف أو المناطق الطبيعية أو حتى نشاطات رياضية، وبعض الأمسيات الموسيقية. هذه المجموعة تتلقى طلبات الشباب المعوقين، وتنسق معهم برنامجاً بحسب اهتماماتهم والأوقات التي يمكنهم التنقل فيها، وما على المتطوع إلا أن يرتب خطوات البرنامج"من الألف إلى الياء"حيث يكون طوال الزيارة رهن الإشارة، فهو الدليل في الطريق، والذي يقوم بجذب أطراف الحديث أو يقرأ كتاباً إن كان من يصحبه ضريراً، ويسهّل كل المعاملات والخدمات المتعلقة بالرحلة، حتى يعود المعوق إلى بيته سالماً في المساء. ويتلقى المتطوعون في هذا العمل دورات في كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة، والاحتياطات الواجب اتخاذها أثناء العمل، مع التركيز على العامل النفسي والبعد الاجتماعي لأن الهدف من هذا العمل التطوعي هو رفع الروح المعنوية للمعوق والتخفيف عنه في وقت الإجازات. وتلاقي هذه المجموعة اعجاباً كبيراً من الرأي العام، بل إن بعض الفعاليات تقدم تسهيلات في رسوم الدخول كنوع من المساهمة في هذا العمل التطوعي. ولأن السويسريين يحبون دائماً أن يكون العمل دقيقاً، فقد وضعت اتحادات الشباب والطلاب شروطاً لمن يريد الالتحاق بالعمل التطوعي، فعليه أولاً أن يقوم بتجربة لمدة 72 ساعة، يناقش الشاب فيها مع المشرفين على العمل التطوعي المجالات التي يمكنه العمل فيها، وأن يكون مفيداً فيها أيضاً، من خلال التعرف الى رؤيته للمشكلات الاجتماعية أو الأحداث الدولية، واستعراض قدراته على الابتكار في حل المشكلات والصبر على تنفيذها. ولأن من يقدم على هذه الخطوة يكون مقتنعاً بأهمية العمل التطوعي، فإن من السهل أن يبت تصنيفه بحسب المجالات التي يمكنه فيها ابراز امكاناته في شكل جيد. ومن خلال هذه المناقشات يتضح أيضاً أن هناك بعض الشباب الراغب في أن يكون عمله التطوعي في الخارج، فأحدهم مثلاً استاء كثيراً من عدم الحماية الكافية لبعض المحميات الطبيعية في جنوب أوروبا، وقرر أن يتوجه إلى هناك هذا الصيف مع خيمته وبعض الإمكانات المتواضعة ليعرض خدماته، قائلاً:"سأذهب حتى وإن كنت سأقوم بجمع الحصى من الطريق أو أي عمل بسيط". ويختلط العمل التطوعي أيضاً بالسياسة، فهناك من الشباب من نظم رحلات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، تضامناً مع الفلسطينيين تحت الاحتلال، وهم يحاولون مشاركة الفلسطينيين همومهم ومشكلاتهم في حياتهم اليومية، وبعضهم يتطوع مثلاً لتدريس اللغات الأجنبية أو المساهمة في دعم أي نشاط اجتماعي، سواء بالعمل أم المساهمة بالأفكار.