لا بدّ لشاعر استمع إلى جاهدة وهبي وهي تغني في ألبومها الجديد"كتبتني"من أن يحاول القبض على صوتها، أن يحاول أسره ووضعه في قفص لتأمّله. ففي صوت جاهدة وهبي ثمة شبهة صورة وشكل ولون. إنه صوت بصريّ في وسعك رؤيته والتملّي منه. صوت أخضر في أغنية"لا تلتفت إلى الوراء"كلمات غونتر غراس، وصوت مصاب في"فليتك تحلو"كلمات أبي فراس الحمداني، وصوت فيه"طفولة التلّة وأنوثة الوادي"في"لندع تلاقينا"كلمات أنسي الحاج. شبهة الصورة واللون والشكل، أقصد شبهة البصر في هذا الصوت، هي قدرة الرسم والتصوير والتشكّل. أنت أمام لوحة استبدلت ضربة الفرشاة بضربة حنجرة، وديموقراطية اللون بتسلّط الپ"آه". صوت كهذا ليس من الأصوات التي يمكن امتداحها بالقول انها ذكّرتنا بأصوات قديمة وكبيرة، لأن علاقة الصوت المبدع لا تكون مع ذاكرة، بل مع مخيّلة. صوت جاهدة هو صوت لذّة. صوت يركض. صوت ينتشي على الملأ فوق خشبة المسرح. صوت يملك صلة قربى بالشعر والشعراء. لم أكن استمعت إلى الشريط حين حضرت حفلة جاهدة في الأونيسكو. أقصد أنني لم أستعدّ جيّداً للمواجهة. وهذا أفضل في منطق الربح والخسارة. اختبرتُ بالطبع جمال هذا الصوت بألحان الآخرين، لكنني لم أختبره بألحانها. لم أختبر حلفاً يُقام بين يد على عود وحنجرة على مسرح، بين أصابع تفصِّل وصوت يلبس، بين أوتار آلة وأوتار حنجرة. بالطبع، لديّ اعتراض غير قليل، كما لدى كثيرين، على بعض الشعر الذي اختارته جاهدة خصوصاً"قصائد"أحلام مستغانمي وأمل جبوري. ولكن في الشعر، وهنا أستعير لبول إيلوار، ثمة"وحل وندى"كما في كل شيء يستحقّ أن نكتب عنه.