إستضافت الجزائر أوّل من أمس الفنّانة اللبنانيّة جاهدة وهبة التي جاءت تغنّي كلمات الأديبة الجزائريّة أحلام مستغانمي، وسط احتفال حاشد ضمّ نخبة من الاعلاميين والمثقفين والشخصيات الوطنيّة. اعتلت وهبة المنصة ذاتها التي وقفت فوقها أحلام مستغانمي قبل 35 سنة، في بداية مسيرتها الشعرية إذ شاركت حينذاك في مهرجان شبابي. وجاهدة وهبة التي تزور الجزائر للمرّة الأولى، بدعوة من الديوان الجزائري للثقافة والإعلام، استقطبت جمهوراً واسعاً اكتظت به قاعة"المقار"في مدينة قسنطينة، للمشاركة في أمسية مخصصة للطرب الأصيل. غنت جاهدة مختارات من كتابات أحلام مستغانمي، شعراً ورواية، في عيد ميلاد صاحبة"ذاكرة الجسد"، بحضور وزيرة الثقافة خالدة تومي وعدد من الوزراء والسفراء العرب المعتمدين في الجزائر. الأديبة الجزائريّة المقيمة أساساً في لبنان، حيث تزوّجت من الصحافي والكاتب اللبناني جورج الراسي، عبّرت ل"الحياة"عن فرحتها ودهشتها بهذا المشروع الفنّي:"أُخِذْتُ عنوة إلى هذه التجربة الجميلة في مساري الأدبي... وأنا مدينة لصديقتي جاهدة بهذا الذهول الجميل الذي أعيشه كلما سمعتها تغني لي نصاً، حتى أكاد أشك في انني كتبته! صوتها لطيف نجا من وباء أنفلونزا الفنون الذي تفشى بين الطيور المنتوفة المنشذة على الفضائيات العربية". وعبّرت مستغانمي عن اعجابها بتجربة فنّانة الطرب الصوفي جاهدة وهبة، التي قدّمت إليها تلك الهدية الخاصة في ذكرى ميلادها. وإذا كان الجمهور العربي الواسع اكتشف مستغانمي عن طريق الرواية أساساً، مدفوعاً أحياناً برائحة"الفضيحة"التي التصقت بكتاباتها، فإن قلّة تعرف أن صاحبة"ذاكرة الجسد"و"فوضى الحواس"، بدأت حياتها الأدبيّة شاعرة... ومن تلك الروايتيتن اختارت وهبة أغنياتها طبعاً، مضيفة إليهما، قصائد عدّة وكتابات ونثرية.... ووضعت صوتها واحساسها في خدمة تلك النصوص، زاوجت بينها وبين مقامات الموسيقى العربية في ليلة عشق سيذكرها الجمهور الجزائري طويلاً... ويبدو أن دموعاً تسرّبت على خدّ وزيرة الثقافة في لحظة تأثّر حسب بعض الحاضرين. من قسنطينة، مسقط رأس أحلام مستغانمي، ومنبع إلهامها الأول، اختارت جاهدة وهبة أن تبدأ حفلتها بأغنية شعبية من التراث الأندلسي، برعت في أدائها بلهجة جزائرية. ثم واصلت أمستها بين اداء طربي وقراءات شعرية على نغمات العود. واشتعلت الصالة بالآهات حين أدّت وهبة"على جسدي مرري شفتيك، فما مرروا غير تلك السيوف عليه"... وصولاً إلى أغنية"أبإكليل غار نعتذر لك"، و"تربص بي الحزن، فلا تتركني لحزن المساء"، وأيضاً"كأن مهري صلاتك، ماطلبت من الله في ليلة القدر إلا أن تكون قدري"... والجدير بالذكر أن الفنانة اللبنانيّة تولّت شخصيّاً تلحين تلك القصائد... وقد تعالى التصفيق، والزغاريد على الطريقة الجزائرية طيلة ساعتين. وطلب الجمهر أن تعاود اداء"كنت سأنجب منك قبيلة". وهذه الأغنيّة لها حكاية خاصة، بل إنّها البادرة التي تقف وراء تلك التجربة المشتركة. فقد غنت وهبة"كنت سأنجب منك قبيلة"، وفاجأت أحلام مستغانمي لتي لم تكن تتوقّع أن تسمع نصوصها مغنّاة يوماً. لم تقاوم الكاتبة رغبة صديقتها، وسمحت لها بإداء قصائدها ونثرها. وأدت الفنانة اللبنانية""مذهول به التراب"من رواية"فوضى الحواس"التي كتبتها أحلام تحيّة للرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف الذي سقط برصاص الغدر في 19 حزيران يونيو 1992... وما كان من جاهدة إلا أن أهدتها إلى كل الصحافيين والشهداء العرب، فلم تتمالك وزيرة الثقافة دموعها وهي تسمعها تغنّي بصوتها الرخيم:"خرج ذاك الصباح كي يشتري ورقا وجريدة، لن يدري أحد ماذا كان سيكتب حين ذهب به الحبر إلى مثواه الأخير". ولا بدّ أخيراً من الاشارة إلى قصيدة"لا تمضي إلى الغابة"من كلمات الأديب الألماني غونتر غراس الحاصل على جائزة نوبل للآداب تعريب الشاعرة العراقية أمل جبوري"، وهي الأغنية التي أهدتها جاهدة إلى أحلام، وسط تصفيق متواصل، إذ وقف الجمهور في نهاية الحفلة طيلة عشرة دقائق يحيي الفنانة اللبناينة المتألقة. "يغريني كاظم الساهر" وبعد هذه الحفلة الاستثنائيّة، كشفت جاهدة وهبة ل"الحياة"، أنها ستصدر أسطوانة رقميّة جديدة بعنوان"جاهدة وهبة تغني أحلام مستغانمي"، قبل نهاية السنة الجارية. وتضمّ الأسطوانة أغنيات من روايات مستغانمي الثلاث، وقصائد شعرية أخرى. وأوضحت:"نتردد بين الزستوديو والحفلات الحيّة"... كما كشفت أن الأسطوانة ستشتمل على قصيدة واحدة هي عبارة عن دييوتو مع الفنان مارسيل خليفة:"اتفقنا على أن يلحن لي وأغني له، وألحن له ليغني لي. وستكون القصيدة المقبلة في العشق بامتياز، وهي من كلمات أحلام مستغانمي. ومعظم قصائد الألبوم من تلحيني، إضافة إلى ألحان لإيلي شوايري وزياد بطرس ووديع الصافي". وعلمت"الحياة"أن جاهدة وهبة ستشارك في مسلسل تلفزيوني عن رواية"ذاكرة الجسد"لأحلام مستغانمي، يتوقّع أن يكون جاهزاً للبثّ خلال شهر رمضان المقبل عبر فضائية أبو ظبي. وتؤدي جاهدة أغنية الجنيرك في بداية ونهاية حلقات المسلسل. وعن القصيدة التي ستؤديها مع الفنان الكبير وديع الصافي، تقول جاهدة:"أنا بصدد إنجاز أغنية دويتو مشترك مع الكبير وديع الصافي الذي قدم لي أغنية"لا تمضي إلى الغابة"وتصدر في أسطوانة بعد شهرين". وأضافت الفنانة أنّها لا تفكر في الوقت الخاضر في أي دويتو، باستثناء مشروعيها مع مارسيل خليفة ووديع الصافي... ثم استطردت:"أتمنّى أن أتعاون مستقبلا مع الفنان كاظم الساهر في دويتو مشترك حول الوضع في العراق مثلا... أو ما هو جار في فلسطين والعالم العربي". وعن تجربتها مع أحلام مستغانمي، تقول جاهدة التي لحنت لأدباء وشعراء كبار مثل محمود درويش ونازك الملائكة وأدونيس:"كلمات أحلام تجعلني أنزف اللحن بدلاً من تأليفه". وتضيف:"مقارنة بالأدباء والشعراء الآخرين، أحلام استنفرت فيّ ألحانا جديدة لأن كتاباتها غزيرة الصور وكثيفة المعاني، وتتطرق في القصيدة نفسها إلى مواضيع عدة، من العشق إلى الأرض والإنسان وصراعاته... ما يشحن عالمي الموسيقي بأبعاد جديدة. أدب أحلام يحمل جرأة قلما تجدها عند أدباء آخرين".