من مفاجآت معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الجديدة 2017، الحفلة الغنائية التي أحيتها المطربة والملحنة اللبنانية جاهدة وهبي التي حملت إلى جمهورها الذي ضاقت به صالة المسرح في المعرض، باقة من القصائد غنتها بصوتها الجميل والمتين. حلّقت جاهدة برفقة فرقتها الموسيقية، في فضاء اللحن والكلمة العذبة، وقدمت مجموعة من القصائد والأغنيات التي تعكس هويتها الفنية المتفردة، وقدرتها على تحويل النص الشعري والنثري إلى أغنيات جميلة تفوح بالعذوبة والحنين. ولعل اختيارها أداء قصائد بدا متلائماً جداً مع جو المعرض الذي شهد إحياء أمسيات شعرية وأدبية، فبدت أغنياتها امتداداً فنيًّا لتلك الأمسيات وللأصوات الشعرية. افتتحت جاهدة حفلتها بأغنية الفنانة الكبيرة فيروز «أعطني الناي» كلمات الأديب جبران خليل جبران، أتبعتها بغناء قصيدة للشاعر والعلامة الصوفي محيي الدين بن عربي، لتواصل بعد ذلك إيقاع الدهشة من خلال أغنية «سبحان من جمّلك»، أتبعتها بقصيدة للشاعر السوري أدونيس قالت فيها: «أجمل ما تكونُ أن تخلخلَ المدى/ والآخرون/ بعضهم يظنّك النّداء/ بعضهم يظنّك الصّدى». وتنقّلت جاهدة ما بين شغف القصيدة وضياء الأغنية لتداعب إحساس الجمهور بغنائها مقطعاً من قصيدة أبو فراس الحمداني الشهيرة «أما لجميلٍ عندكم ثواب». وقدّمت قصائد للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ومنها قصيدة «يطير الحمام يحطّ الحمام» في أداء متفرد وغير متوقع، وترافقت دقّات آلة «البزق» مع بحّة صوتها لتتم هذه الرائعة جوقة الموسيقى خلفها بقيادة المايسترو إيلي معلوف. وغنّت للشاعرة العراقية نازك الملائكة، وقدّمت لها قصيدة «الزائر الذي لم يجئ»، واختتمت حفلتها بأغنية «لا تلتفت إلى الوراء»، من كلمات الكاتب الألماني غونتر غراس. تتجلى قدرة جاهدة وهبي الفنية، لا سيما التلحينية في تطويعها قصائد النثر للغناء ومنها قصائد غونتر غراس التي ترجمتها عن الألمانية الشاعرة العراقية أمل جبوري، وكذلك بعض القصائد النثرية التي اختارتها للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي. وإذا عرفت المطربة جاهدة بغنائها البديع للمقامات والأغاني التراثية المعروفة وغير المعروفة وقد تميزت بأدائها بصوتها القوي والشفيف وتقنياتها الفريدة، خاضت أيضاً تجربة التلحين ونجحت فعلاً في هذه المهمة وحلقت في سماء الموسيقى العربية الأصيلة.