خاض الجيش اللبناني أمس, مواجهات ضارية مع مسلحي "فتح الإسلام" سقط جراءها أربعة شهداء للجيش والعديد من الإصابات بين قتيل وجريح في صفوف مسلحي التنظيم, وحالت كثافة النيران وعدم التوصل الى هدنة دون معرفة عدد الضحايا من المدنيين الذين حوصروا في المخيم. ووُصفت المعارك بالأشرس وبلغت حد المواجهة من مبنى الى آخر, بل من شقة الى أخرى, وتصاعد دخان الحرائق الكثيف في فضاء المخيم الذي دُمرت طبقات كاملة في أبنيته العالية التي استخدمها مسلحو"فتح الإسلام"للقنص على الجيش والمارة في محيط المخيم, ولجأ هؤلاء المسلحون الذين رفضوا الاستسلام الى تفخيخ الجثث في الشوارع وحتى الحيوانات النافقة. سير المعارك وكانت الاشتباكات تجددت فجراً بين وحدات الجيش اللبناني وعناصر تنظيم"فتح الإسلام"التي تراجعت الى عمق المخيم متحصنة بالأبنية السكنية وأزقة المخيم الداخلية بعدما تمكن الجيش, خلال مواجهات أول من أمس, من الإمساك بمفاصل المداخل الرئيسة للمخيم القديم بعد السيطرة الميدانية وبالنار على أحيائه الجديدة ومداخله الثلاثة في المحمرة والعبدة وبحنين - المنية. واستغل الجيش اللبناني هدوء الليل لتحصين مواقعه وتدعيمها استعداداً لمتابعة الخطة العسكرية الموضوعة, فيما واصلت الزوارق الحربية التابعة للجيش فرض حصار ومراقبة دقيقة على شاطئ المخيم منعاً لأي محاولة هروب لعناصر"فتح الإسلام"التي حاولت ليلاً من مواقعها القريبة من الشاطئ إطلاق نيران مدافعها الرشاشة باتجاه هذه الزوارق. واعتباراً من السادسة والنصف صباحاً تصاعدت حدة المواجهات وفرض الجيش تعتيماً إعلامياً على سير المعارك لأسباب أمنية. وأدى تصاعد المعارك في الساعة العاشرة والربع صباحاً الى انهيار طبقات عليا من أعلى مبنى في المخيم تحصن فيه عناصر"فتح الإسلام"وهو يقع على مسافة 500 متر من منطقة العبدة عند المدخل الشمالي للمخيم. جثث مفخخة وانهيار أبنية وذكرت"الوكالة الوطنية للإعلام"ان عناصر المشاة في الجيش نفذوا عمليات تمشيط وتطهير في محيط معاقل"فتح الإسلام"في المنطقة الشمالية للمخيم. ونقلت عن شهود عيان، ان جثثاً لعناصر من"فتح الإسلام"موجودة في الشوارع لكنها مفخخة، كما فخخت حيوانات أليفة مثل الأبقار والأغنام. واشتدت المعارك عند المدخل الشمالي من المخيم وتحديداً في ما يعرف بموقع"التعاونية"القريب من موقع"الخان"الذي سيطر عليه الجيش قبل يوم واحد, ودمر المزيد من الأبنية السكنية التي يفترض انها خالية من السكان بسبب كثافة نيران المدفعية وكل أنواع الأسلحة. وتردد ان البناية المنهارة في المخيم تقع في حي المهجرين وتعود لآل الصاوي. وأشارت المعلومات الأمنية الى سقوط عدد كبير من المسلحين شوهدت جثثهم في أحياء المخيم. وعند الواحدة من بعد الظهر اشتدت المعارك، على المدخل الشمالي للمخيم, وعمل الجيش على تطهير الأبنية التي تمت السيطرة عليها، وأغلبها مفخخ. وإذا كانت نيران الجيش أجبرت المسلحين على التراجع فانهم توزعوا على اكثر من منطقة في محاولة لتشتيت قوة الجيش ونقل المعركة من مكان الى آخر. وأحبط الجيش محاولة تسلل عند المخل الجنوبي للمخيم حيث تكبد التنظيم المسلح خسائر كبيرة بالأرواح, كما اشتدت المعارك شرق المخيم عند محور سكة الحديد القديمة وتقدم الجيش في اتجاه مواقع حددها سابقاً. وسجل انهيار بناية"السموعي"جنوب المخيم ومبنى"جامع الثورة"غربه. طه: لن نستسلم وتعهد الناطق باسم جماعة"فتح الإسلام"أبو سليم طه في اتصال مع وكالة"رويترز"من داخل المخيم حيث كانت تسمع أصوات الانفجارات بكثافة بأن مسلحي التنظيم"لن يستسلموا أبداً ولن يسلموا أسلحتهم". ونقلت الوكالة عنه قوله:"نحن لا يمكن أن نسلم سلاحنا لأنه عزتنا. لا يمكن حتى أن نفكر بأن نستسلم, يبدو أن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود حتى الآن, والكرة الآن في ملعب الجيش اللبناني", نافياً أن يكون تنظيمه فقد السيطرة على مواقع رئيسة، وقال:"نحن لا نزال في مواقعنا". وكان نفى في اتصال مع"الحياة"ليل أول من أمس مقتل زعيم التنظيم شاكر العبسي. رشقات من مروحية للجيش وحلقت مروحية عسكرية تابعة للجيش اللبناني من نوع"غازيل"في أجواء المخيم لرصد سير العملية العسكرية, ونفذت عدداً من الطلعات الاستكشافية في محيطه كما نفذت أعمالاً قتالية محدودة مطلقة رشقات من الطلقات النارية في اتجاه عدد من المواقع, وتحدثت معلومات أمنية عن عثور الجيش اللبناني على سيارات مفخخة يعتقد بأنها كانت معدة لتنفيذ أعمال إرهابية في أنحاء لبنان. وأكد مسؤول حركة"فتح"داخل مخيم نهر البارد أبو عماد حلواني مقتل 8 عناصر من"فتح الإسلام"على الأقل في الاشتباكات الدائرة مع الجيش, وقال في اتصال هاتفي أجرته معه وكالة"فرانس برس":"ان هناك 8 جثث ما زالت على الأرض في الجهة الشمالية للمخيم حيث تركزت أعنف الاشتباكات". وأكد حلواني ان لا إصابات بين المدنيين في قصف الجيش اللبناني أول من أمس للمخيم، موضحاً أن المدنيين متجمعون في الجهة الجنوبية التي لا تتعرض للقصف. هدنة لم تتحقق وكررت"رابطة علماء فلسطين"محاولاتها للتوصل الى هدنة إنسانية، وهي التي كانت قادت وساطة مع"فتح الإسلام"لكنها وصلت الى طريق مسدود, وناشد عضو الرابطة الشيخ محمد الحاج في تصريح من مخيم البداوي، المسؤولين"الإفساح في المجال أمام هدنة، تبدأ من الثالثة من بعد الظهر وتمتد حتى السابعة مساء، لإدخال المؤن وإجلاء الجرحى والمدنيين ودفن القتلى، وتقديم الخدمات الطبية والإنسانية العاجلة في المخيم". وأشار الحاج"ان الهدنة الموقتة تم التوافق عليها مع مجموعة من علماء طرابلس بعد الاجتماع، وأن اتصالات تجرى مع الجيش اللبناني و"فتح الإسلام"من اجل التوصل الى إرساء هذه الهدنة". وسجلت بعد الظهر مواجهة عنيفة بين الجيش اللبناني وعناصر"فتح الإسلام"بالأسلحة الرشاشة والمتوسطة، عند المدخل الشمالي لمخيم نهر البارد، على مقربة من"مجمع الشهيد ناجي العلي". وتمكن الجيش من القضاء على المجموعة المؤلفة من عشرة أشخاص على الأقل بعد رفضهم تسليم أنفسهم. وفي الثانية بعد الظهر استهدف قصف مدفعي مركز مواقع استراحة النورس، ومحيط مدارس اونروا، والمدخل الجنوبي للمخيم ومدخل المحمرة من داخل المخيم القريب من التعاونية. وفي الثانية والنصف من بعد الظهر، وقعت اشتباكات في محيط مجمع التعاونية ومركزي السعدي وصامد، ونفذ الجيش عمليات تطهير واسعة، في ضوء أعمال التفخيخ الواسعة. واشتدت المواجهات في الخامسة عصراً في منطقة مجمع صامد والسعدي والتعاونية في المنطقة الشمالية للمخيم، حيث قصفت مدفعية الجيش بشكل مركز هذه المواقع، بالترافق مع عملية تمشيط وتطهير لمداخل الأزقة والشوارع المؤدية الى هذه المجمعات. أربعة جنود شهداء ونعت قيادة الجيش - مديرية التوجيه، أربعة عسكريين استشهدوا أثناء قيامهم بواجبهم العسكري في مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال هم: المعاون أول الشهيد زكي مخائيل الرحباوي مواليد 1968 - الشيخ محمد - عكار, الرقيب الشهيد بلال رياض العامودي مواليد 1979- طرابلس, العريف الشهيد فادي احمد الضناوي مواليد 1987 - طرابلس, العريف الشهيد سعد الله رياض مستو مواليد 1985 - طرابلس وشيعت منطقة البداوي ابنها شهيد الجيش اللبناني محمود الرحمون كما شيعت طرابلس الرقيب الشهيد بلال رياض العامودي الذي قضى متأثراً بجروحه في معركة مخيم نهر البارد. أهداف تحققت وأسفرت معارك اليوم الطويل بحسب"الوكالة الوطنية للإعلام"عن إحراز الجيش"تقدماً مهماً وتمكنه من الإمساك بمفاصل المداخل الرئيسة للمخيم القديم بعد السيطرة الميدانية وبالنار على الأحياء الجديدة عند مداخله الثلاثة في المحمرة والعبدة وبحنين - المنية". وتقدم الجيش الذي يشارك في عملياته نحو ألف عنصر من المغاوير, على أطراف المخيم من دون ان يدخل اليه, إذ سيطر على أبنية عالية محاذية للمدخل الشمالي. كما أصبحت مواقع"فتح الإسلام"في الأبنية المرتفعة داخل المخيم تحت سيطرة نيرانه. وقالت مصادر وزارية ل"الحياة"إن وزير الدفاع الياس المر عرض خلال اجتماع المجلس الوزاري أول من أمس الأهداف التي حققها الجيش في مخيم نهر البارد مشيراً الى أن التقدم الذي أحرزه في أطراف المخيم في اتجاه مواقع"فتح - الإسلام"حقق نتائج، لكن مقاتلي الأخيرة قاموا بتفخيخ عدد من المباني العالية داخل المخيم، بعدما تحصنوا فيها وأخذوا يتحكمون بالطرقات والمدخل الشمالي منها بإطلاق النار والقنص، وذكرت المصادر أن الجيش اضطر للتعامل مع هذه الأبنية الخالية من المدنيين بعد أن قُتل فيها العديد من عناصر"فتح - الإسلام"بقصف مركز، ما أدى الى تدمير أجزاء منها بالكامل نظراً الى انفجار المتفجرات التي كانت زرعت داخلها كي تنفجر إذا دخلها الجيش. وأوضح المر في المجلس الوزاري أن جنود الجيش لاحظوا ارتفاع دخان أبيض من الأبنية التي يقصفها وبعض مواقع"فتح - الإسلام"لا يلبث أن يتحول الى دخان أسود، والسبب أن المسلحين كان زرعوا عبوات على جوانب الطرقات وألغاماً تحت الأرض، وفي الأبنية تم وصلها بعدد كبير من قوارير الغاز التي راحت تنفجر مع انفجار هذه العبوات، جراء القصف فينبعث الدخان الذي يحجب الرؤية، ويبعث روائح كريهة تنتشر في اتجاه الوحدات المتقدمة من الجيش والمغاوير، الأمر الذي دفع القيادة العملانية الى تبديل بعض وحدات المغاوير خشية تأثر بعضها بتنشق روائح الغاز. كما استعان الجيش بسلاح الهندسة لتفجير الألغام والعبوات المزروعة بطريقة تحصر الأضرار في أماكنها. وذكرت المصادر الوزارية أن تفخيخ مقاتلي"فتح - الإسلام"للمواقع شمل أيضاً تفخيخ جثث مقاتليهم الذين قضوا والتي كانت منتشرة في بعض الشوارع بحيث يصعب رفعها من الأرض. والتقى أمس، الوزير المر قائد الجيش العماد ميشال سليمان في اليرزة، وجرى تقويم العمليات الأمنية في منطقة الشمال، وأثنى المر على جهود الضباط والعسكريين، وثمّن غالياً تضحياتهم في سبيل إنقاذ لبنان. "فتح" واعتبر رفعت شناعة المسؤول الإعلامي لپ"فتح"انه"لم يعد أمام المخيم إلا الحسم العسكري الذي بدأه الجيش الجمعة", لافتاً الى تدهور وضع مقاتلي"فتح الإسلام". ومن مخيم البداوي المجاور لنهر البارد قال شناعة لپ"فرانس برس"ان"الجيش تمكن حتى الآن من السيطرة على مواقع أساسية لمجموعة"فتح الإسلام", وأفرادها، وفق المعلومات التي تصلنا من الداخل, يبحثون عن ملاجئ وضعهم مضطرب ويشعرون بالضياع". وأكد شناعة ان فصائل منظمة التحرير داخل المخيم"لا تشارك الجيش في القتال انما تقوم بالمراقبة لمنع تسلل المقاتلين الى مواقع المدنيين". واعتبر علي بركة الناطق السياسي باسم حركة"حماس"ان"الجيش حقق تقدماً ملموساً في محيط المخيم يشكل انتصاراً يكفي للدخول في تسوية سياسية".