تشهد مكتبة الإسكندرية في هذه الأيام تظاهرة فنية تتعلق بأسطورة السينما اليونانية والعالمية ميلينا ميركوري: حيث تحتضن معرض"ميلينا... آخر آلهة اليونان هنا"، والذي يضم ملصقات أفلام وبعض الملابس والصور الفوتوغرافية للفنانة الراحلة. يستمد المعرض أهميته من أهمية ميلينا ميركوري إحدى أهم الشخصيات النسائية اليونانية في القرن العشرين، حيث تمتعت بشخصية ثرية ومتعددة الجوانب ساعدتها على النضال ضد نظام الجنرالات الذي نتج عن انقلاب عسكري قام عام 1967 واستمر حتى عام 1974. هذا بالإضافة إلى نجاحها الواسع كممثلة مسرحية وسينمائية ساهمت في صناعة تاريخ الفنون من خلال أدوارها، وأيضاً كسياسية حيث نجحت في ترك بصمتها على الثقافة اليونانية إذ عينت يوماً وزيرة لها. يضم المعرض ما يزيد على 200 ملصق أصلي لأفلام ميلينا، منها:"ستيلا"1955، وپ"هو الذي ينبغي أن يموت"1957، وپ"الغجرية والمحترم"1957 وپ"القانون"1958، وپ"فيدرا"وپ"العدالة الكونية"1961، وپ"قصر توب كابي"1964، وپ"عد عند الفجر"1970، وپ"مرة واحدة لا تكفي"1975 المأخوذ عن رواية للكاتبة الأميركية جاكلين سوزان. ولدت الفنانة ميلينا - وهو إدغام لاسمها المركب "أماليا - ماريا" - عام 1920 في أثينا لعائلة تعمل في مجال السياسة حيث تولى جدها سبيروس ميركوريس منصب عمدة أثينا لمدة ثلاثين سنة، وكان والدها وكيلاً لحزب اليسار الديموقراطي اليوناني ووزيراً للتنظيم والأشغال العامة. بعد استكمالها التعليم الثانوي انضمت إلى المدرسة الوطنية للمسرح حيث تخرجت في عام 1944. انضمت بعدها إلى المسرح الوطني اليوناني واستمرت في لعب أدوار صغيرة نسبياً حتى أتى الدور الذي ساهم في انطلاقها إلى عالم الشهرة حين لعبت شخصية"بلانش دوبوا"في مسرحية تينيسي ويليامز الشهيرة"عربة اسمها الرغبة"على خشبة"مسرح الفن"في عام 1949. عملت ميركوري في الفترة بين 1949 و1950 في عدد من المسرحيات لألدس هكسلي وآرثر ميلر وفيليب جوردان وأندريه روسان، ظهرت بعدها على خشبة المسرح الباريسي حيث شاركت في عروض لمسرحيات جاك دوفال ومارسيل أشار، وتقابلت مع جان كوكتو، وجان - بول سارتر، وكوليي، وفرانسوا ساغان. وكانت تلك الفترة شديدة الأهمية في تكوين شخصية الفنانة الراحلة. وعادت ميركوري إلى اليونان في عام 1955 حيث عملت في عدد من المسرحيات الكلاسيكية، وانضمت إلى حركة نقابات التمثيل. بدأت حياة ميركوري السينمائية بفيلمها الشهير"ستيلا 1955 الذي قام بإخراجه ميكاليس كاكويانيس مخرج فيلم"زوربا اليوناني" ولاقى نجاحاً كبيراً في مهرجان"كان"السينمائي في عام 1956 حيث تعرفت على المخرج الأميركي جولز داسين، وأصابها سهم كيوبيد فتزوجت منه واستمر زواجهما حتى وفاتها عام 1994. قامت ميلينا ميركوري بأدوار البطولة في عدد من الأفلام التي قام داسين بإخراجها. لعبت ميلينا ميركوري دور البطولة في فيلم"أبداً يوم الأحد"الذي رشح لأربع جوائز أوسكار منها أفضل ممثلة وحصل على جائزة أفضل أغنية وهي بعنوان الفيلم نفسه وبصوت ميركوري. عملت ميركوري أيضاً مع عدد من أهم مخرجي هوليوود وأوروبا مثل فيتوريو ديسيكا ورونالد نيم وكارل فورمان ونورمان جويسون، وغيرهم من عظماء السينما في القرن العشرين. استمرت ميلينا ميركوري في العمل على خشبة المسرح في الأعوام بين 1956 و1967 وشاركت في ما يقرب من 60 عرضاً مسرحياً و19 فيلماً سينمائياً في هذه الفترة. ونجحت ميلينا ميركوري في دمج سحر الفنون بواقعية السياسة من خلال نشاطها السياسي المناهض الحكم الديكتاتوري لليونان، وبدءاً من عام 1977 كعضو في البرلمان اليوناني إضافة إلى توليها لمنصب وزيرة الثقافة من 1981 إلى 1989 ومن 1993 حتى رحيلها. وإلى جانب اهتماماتها السياسية، بدأت ميركوري العمل على سلسلة من البرامج التلفزيونية بعنوان"حوارات"تدور حول قضايا اجتماعية مهمة. بعد إذاعة حلقتين من البرنامج، منعته هيئة الإذاعة القومية اليونانية. رفع الأمر إلى البرلمان اليوناني: لكن لم ينجح هذا الإجراء في إلغاء قرار المنع. قامت ميركوري أيضاً بالعمل على فيلمين تسجيليين بعنوان"ضواحي أثينا"وپ"ممتلكات أحمد آغا في القمة السوداء". واستمر أيضاً عملها في المسرح والسينما، فلعبت دوراً لا ينسى في مسرحية بريخت"أوبرا الثلاثة بنسات"1975 التي أخرجها جولز داسين، بعد مرور خمس عشرة سنة من هجرها خشبة المسرح الأثينية، وأيضاً في إنتاج مسرحية"ميديا"1976 التي كتبها يوريبيديس في أثينا القرن الخامس قبل الميلاد، وبسبب منع هذا الإنتاج من المهرجان الوطني للمسرح، أطلق على ميركوري لقب"ميديا المنفية". في عام 1978، لعبت ميلينا دور البطولة في آخر أفلامها وهو"حلم الرغبة"المبني على شخصية ميديا. وفي تشرين الثاني نوفمبر من عام 1977، انتخبت عضواً في البرلمان اليوناني عن الدائرة الثانية لمدينة بيرايوس الساحلية والتي كانت الميناء التابع لمدينة أثينا القديمة. وقد وافتها المنية عام 1994 عن عمر يناهز 74 سنة بعد صراع طويل مع سرطان الرئة الذي نتج عن شراهتها في التدخين لعقود.