كان بالنسبة الى والدته طفلاً شقياً غريب التصرفات، لا يتوقف عن اداء الحركات البهلوانية، وكانت تنهال عليه ضرباً حتى يقلع عن مثل هذه الاشياء. هذا الطفل كان فؤاد زكي المهندس، الذي اصبح ملك"الفودفيل". ولد ونشأ في حي العباسية"شرق القاهرة"واشهر أحيائها في 6 ايلول سبتمبر عام 1924، ويعتبر التلميذ النجيب في مدرسة"الريحاني". نشأ المهندس في أسرة ميسورة الحال، فالأب كان يعلّم اللغة العربية في كلية دار العلوم، حتى وصل الى منصب عميد الكلية. ووالدته ربة منزل، كانت تخشى على اطفالها، فتعاملهم بصرامة وحزم شديدين. وهو الطفل الثالث في الترتيب بعد شقيقتين هما الاذاعية صفية ودرية ثم شقيقه الرابع سامي. بدأت موهبته في التمثيل تظهر في مدرسة العباسية الابتدائية ثم في مدرسة فاروق الاول. وكان المهندس دائم التقليد للشخصيات. وفي الوقت الذي تعامل فيه الأب برحابة صدر مع موهبة ابنه التمثيلية كانت الأم ترفضها تماماً، ولم ينس المهندس اليوم الذي حضرت فيه والدته واشقاؤه حفلة مدرسية من دون علمه، وعندما صعد على خشبة المسرح ليؤدي دوره، فوجئ بصراخ والدته من القاعة قائلة:"انزل يا ولد"فترك المسرح ونزل.. وعلى رغم اعتراض والدته الدائم على عمله بالفن، كان والده الذي سكن في عقل فؤاد الباطن بمشيته المميزة وطريقة كلامه بالعربية الفصحى، يشجعه ويراقبه وهو يقلد الشخصيات، وكثيراً ما كان الأب يردد على مسامع الاقارب والاصدقاء، ان هذا"العفريت بكرة يكبر ويكون له شأن"، وكان دائم الاعتناء بتثقيفه، وتعليمهء. بدأت علاقة فؤاد المهندس بالإذاعة من خلال مشاركته في برامج الأطفال، بمساعدة زوج شقيقته صفية، محمد محمود شعبان الشهير بپ"بابا شارو"وأشهر أغانيه في هذه البرامج"عيد ميلاد أبو الفصاد"، حتى أنه قام في ما بعد بإعداد برامج إذاعية اشترك في تمثيلها، من بينها برامج"حكايات طرزان"وپ"كينغ كونغ"وپ"كنوز الملك سليمان". إلا ان الخطوة الأهم في طريق فؤاد المهندس بدأت عندما انضم إلى فريق التمثيل لدى التحاقه بكلية التجارة، وجاءت مشاهدته للريحاني في مسرحية"الدنيا على كف عفريت"لتقلب حياته رأساً على عقب وكانت سبب رسوبه في كلية التجارة على مدى عامين، قبل أن يتخرج، واقترب المهندس التلميذ من الريحاني الأستاذ وبدأ حضور بروفات مسرحياته، ليتعلم كيف يقف على خشبة المسرح واستمرت العلاقة بينهما حتى رحل الريحاني، وبكاه المهندس بشدة وفي هذه الفترة تكونت فرقة"ساعة لقلبك"عام 1953 من مجموعة اصبحوا نجوم الكوميديا في مصر منذ تلك الفترة، وكان فؤاد واحداً من هؤلاء وقدم شخصية"محمود"الزوج الطيب للزوجة المناكفة، وأصبحت هذه الشخصية حديث كل من يشاهدها. لكن ظل حلم الأدوار الدرامية الكبيرة وشخصيات الريحاني، يراود فؤاد المهندس الذي اشتهر في برامج الأطفال في الإذاعة وبدأ التلفزيون المصري إرساله في بداية الستينات وكانت فرصته للظهور في برنامج"وراء الستار"مع الفنانة الراحلة سناء جميل. لكن شهرته الحقيقية بدأت عندما تحمس له الراحل"سيد بدير"الذي كان يستعد للعب البطولة في مسرحية"السكرتير الفني"أمام فنانة شابة وجميلة دخلت حديثاً عالم الفن اسمها"شويكار كوب صقال"على أن يؤدي المهندس أحد الأدوار في هذه المسرحية، لكن لظروف طارئة اضطر"بدير"للسفر إلى تشيكوسلوفاكيا، وأسند بطولة المسرحية لفؤاد المهندس وكانت شخصية"ياقوت أفندي"هي أحد أحلامه، فهي تشبه أدوار أستاذه الراحل الريحاني، وبدأ فؤاد المهندس طريق النجاح والشهرة ليقدم بعدها مجموعة من أهم مسرحياته منها"أنا وهو وهي"عام 1963 وپ"أنا فين وإنت فين"عام 1968 ثم"سيدتي الجميلة"وپ"حواء الساعة 12"وپ"إنها حقاً عائلة محترمة"... وفي مرحلة الستينات التي تعتبر مرحلة الانتشار والشهرة في حياة المهندس، وجد العاملون في الحقل السينمائي في المهندس غايتهم والدجاجة التي تبيض ذهباً، وعلى رغم ذلك لم يتخل فؤاد المهندس عن شعاره"الضحك من أجل الضحك"حتى في السينما، وقدم عدداً من الأفلام التي نجحت جماهيريا، وما زلنا نشاهدها حتى الآن منها"هارب من الزواج"وپ"أنا وهو وهي"المسرحية التي نجحت وحوّلت الى فيلم سينمائي وپ"جناب السفير"وپ"اعترافات زوج"وپ"غرام في أغسطس"وپ"أخطر رجل في العالم"وپ"مطاردة غرامية"وپ"شنبو في المصيدة"وپ"العتبة قزاز"وپ"إنت اللي قتلت بابايا"، وأهم أفلام فؤاد المهندس"أرض النفاق"الذي قدمه مع المخرج فطين عبد الوهاب عام 1968 بعد النكسة، وكان يبحث من خلال هذا الفيلم عن الأسباب الحقيقية للنكسة في قالب كوميدي، يتفهمه المواطن البسيط، كذلك فيلم"كان وكان وكان"الذي قدمه عام 1977، بعد أن وصل الى قمة النضج الفني مع المخرج عباس كامل. والمهندس فنان مسرحي في الدرجة الأولى، ارتبط بالمسرح وعاش أحلى لحظات حياته على خشبته ولكن السينما استغلت شهرة المهندس، وقبوله من دون أن يحاول هو استغلالها لإظهار قدراته، وكانت بدايات المهندس السينمائية مرتبطة بعلاقته القوية بآل ذو الفقار الذين كانوا جيرانه في حي العباسية، لذلك أشركه الشقيقان محمود وعز الدين في افلامهما المختلفة في فترة الخمسينات وبداية الستينات، لإضفاء لمسة كوميدية على هذه الأعمال ومنها"بنت الجيران"الذي كان أول أفلام المهندس وپ"الأرض الطيبة"وپ"عيون سهرانة"وپ"الشموع السوداء"وپ"نهر الحب"وپ"موعد في البرج"وپ"بين الأطلال". قال عنه الكاتب الكبير توفيق الحكيم عندما طلب منه السماح بتقديم روايته"أنا وهو وهي"على المسرح على أن يكون فؤاد المهندس هو البطل اتركوا فؤاد يقدم المسرحية كما يريد لأنه فنان عظيم ولديه طاقة رهيبة للمسرح وأنا متأكد أنه سينفذها بشكل جميل. وفي رأيي أن الفن لا بد من أن يرتقي بالجمهور والأخلاق. وكانت مسرحية"أنا وهو وهي"هي التي شهدت طلبه الزواج من الفنانة شويكار في احد المشاهد، عندما كانا مستلقيين على خشبة المسرح وقال فؤاد المهندس عن هذه اللحظة شعرت بأنني أريد أن أقول لها تتجوزيني. وساعتها ردت شويكار علي وقالت: يا بايخ. أخيراً قلتها وكان هذا الحوار أمام أعين الجمهور الذي لم يدركه وقتها. والفنانة شويكار هي الزوجة الثانية لفؤاد المهندس، بعد أن دق الحب باب قلبه عندما التقيا في مسرحية"السكرتير الفني"على مسرح دار الأوبرا وانفصلا في فيلم"فيفا زلاطا"ولكنهما ظلا صديقين، حتى آخر يوم. وقال المهندس:"لا أتصور أن أقول آه... ولا أجد شويكار بجواري". أما الحب الأول أو الزواج الأول في حياة المهندس فبدأ عندما كان طالباً، وكانت فتاة أحلامه تشبه كوكب الشرق أم كلثوم، وذلك من فرط حبه لسيدة الغناء العربي وهي بنت الجيران، التي كانت أيضاً في المرحلة الثانوية وبالفعل أصبحت زوجته في ما بعد وهي السيدة عفت سرور نجيب وأثمر هذا الزواج ولداهما أحمد ومحمد. وفؤاد المهندس أنهى مشواره السينمائي عام 1994 بفيلم"ونسيت اني امرأة"الذي شاركته بطولته الفنانة ماجدة الصباحي، ثم استمر في تقديم فوازير"عمو فؤاد"للأطفال، الى جانب برنامجه الإذاعي"كلمتين وبس". ومن أتيحت له فرصة الاقتراب من الراحل فؤاد المهندس يعرف انه كان شخصاً سريع البكاء والتأثر يبكي لألم الآخرين، وكان أكثير ميلاً للاكتئاب في الفترة الأخيرة على رغم محاولات الفنان الشاب احمد الفيشاوي إعادته الى السينما من خلال الجزء الثاني من فيلم"مستر اكس اخطر رجل في العالم"إلا انه رفضه ودخل بعد حريق شقته في الزمالك في حال اكتئاب شديدة، إذ فقد فيه الكثير من أوراقه الشخصية وأرشيفه.