ولادة قسرية تلك التي حصلت في قطاع غزة خلال الايام الماضية، حيث تمًّ إنشاء امارة حماستان بقوة البنادق والمدافع التي غابت اثناء الاجتياحات الاسرائيلية للقطاع على مدار السنوات الماضية. وتبعاً لتلك الولادة القسرية بات المشروع الوطني الفلسطيني برمته في مواجهة تحديات عاصفة بعد الاحداث التي شهدتها مدن ومخيمات قطاع غزة والتي انتهت بسيطرة حركة حماس على مقرات الاجهزة الامنية الفلسطينية، حيث تعتبر عملية انقضاض حركة حماس على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة بمثابة انقلاب على النظام السياسي الفلسطيني بكل ما في الكلمة من معنى، فبعد مرور اكثر من عام ونصف العام على دخول حركة حماس المعترك السياسي الفلسطيني بشكل مباشر، عبر قبول الرئيس الفلسطيني بذلك، يبدو أن الحركة كانت تعمل على خطين متوازيين: الخط الاول مهادنة القوى الفلسطينية الاخرى وإقصاء الاخر منها والاستئثار ما أمكن بمؤسسات السلطة الفلسطينية بعد النجاح الكاسح في الانتخابات نتيجة الترهل والانقسامات التي أصابت حركة فتح وفصائل العمل الوطني الاخرى، والخط الثاني هو العمل على رفع الجاهزية العسكرية للانقضاض على مؤسسات السلطة الوطنية في غزة لإنشاء إمارة لها أبعاد تتعدى الاهداف الوطنية الفلسطينية وحلم الفلسطينيين في دولة مستقلة وعاصمتها القدس. وبعد ما حدث من قتل ونهب لمؤسسات السلطة من قبل عناصر حركة حماس وخاصة خلال يومي الرابع عشر والخامس عشر من حزيران يونيو الجاري، وصولاً الى استصدار بيانات من قبل الحركة وفي المقدمة منها البيان الذي يؤكد تحرير غزة للمرة الثانية على التوالي"مرة من الاحتلال الاسرائيلي قبل عامين، ومرة ثانية من مؤسسات السلطة الوطنية التي بناها المجتمع الفلسطيني بالدم والعرق والمال، يمكن تسجيل الاستنتاجات التالية: أولاً: لقد كان الهدف الاسمى والاستراتيجي لحركة حماس دخول السلطة الفلسطينية ومن ثم الانقلاب عليها، وهذا ما حدث في قطاع غزة بعد اقل عامين من تبوّؤ حماس للسلطة. ثانياً: تعتبر كافة الاتفاقيات حول التهدئة وعدم الاقتتال في غزة عملية تكتيك حمساوي للاستعداد الى مرحلة الانقضاض على مؤسسات السلطة في غزة وإعلانها إمارة حمساوية بعد ذلك. ثالثاً: لقد توضح ان حركة حماس قد وقعت اتفاق مكة للهروب الى الأمام من العودة الى انتخابات مبكرة كان اشار اليها الرئيس الفلسطيني ابو مازن في اكثر من تصريح ومناسبة. رابعاً: من المؤكد ان امارة غزة الحمساوية لن يطول أجلها نظراً لانها قسرية وعلى حساب كرامة الشعب الفلسطيني خاصة في غزة الصابرة، حيث سيبرز الى العلن بعد فترة وجيزة عمليات استنكار منظمة لما قامت به حركة حماس التي استباحت حرمة الدم الفلسطيني وأساءت لنضالات الشعب الفلسطيني على مدار أربعة عقود خلت. خامساً: في ظل الاوضاع المأسوية التي يعيشها سكان قطاع غزة 3.4 مليون فلسطيني، ستتفاقم معدلات البطالة للتعدى ثلثي حجم قوة العمل هناك، وستنتشر حالة الفقر الشديد بين سكان غزة بنفس نسب البطالة المذكورة، الامر الذي سيؤدي الى مزيد من تفاقم الاوضاع المعيشية والخدماتية في ذات الوقت، وسترتفع معدلات التسرب المدرسي. وقد يكون اعلان امين عام رئاسة السلطة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم يوم الخميس الماضي عن قرار الرئيس محمود عباس باقالة حكومة الوحدة واعلان حالة الطواريء وتشكيل حكومة لانفاذ احكام حال الطوارىء، بمثابة تحرك سياسي في الاطار الصحيح رغم انه متأخر جداً. ومن شأن الخطوة التي قام بها الرئيس الفلسطيني ان تعيد التوازن للعلاقات واستمرارها مع عدد كبير من دول العالم التي بدأت - قبل انقضاض حماس على غزة - بارسال مزيد من الاموال كرواتب ومساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية وفي مقدمة تلك الدول فرنسا وايطاليا واسبانيا، وقد زار اكثر من وزير اوروبي الرئيس ابو مازن لاعلان استمرار الدعم للسلطة برئاسته. وعلى رغم عدم قدرة إمارة غزة الحمساوية الاستمرار في الحياة لفترة طويلة بسبب العزلة التي ستأخذ بالاتساع من قبل المجتمع الدولي نظراً لعدم قدرة الحركة في بناء علاقات حقيقية مع دول العالم من جهة، وكذلك التشظيات التي سيشهدها المجتمع الفلسطيني وكذلك حركة حماس في غزة بفعل تداعيات الانقضاض على مؤسسات السلطة والقتل على الهوية، فإن الخاسر الاكبر من مما حدث من عمليات قتل وتدمير على الهوية في غزة هو الشعب الفلسطيني الذي قدًّمً الغالي والنفيس على مدار العقود الماضية من اجل دحر الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ويبقى أن إقامة إمارة غزة الحمساوية بالطريقة التي شهدنها سيكون لها انعكاسات وتداعيات سلبية على مجمل القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، حيث ستتراجع عملية التطوير في قطاع غزة بشكل عام، والاهم من ذلك ان صورة البطش والقتل والتدمير التي حصلت في قطاع غزة ستبقى عالقة في أذهان الكثيرين ممن كانوا الى جانب الحلم الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. * كاتب فلسطيني مقيم بدمشق.