يكنونه أبا عبدالمحسن، وأنعته بأبي الوطن. رحل الطود الشامخ "رحلت أيها الهرم الوطني..." لكنك باقٍ في قلوبنا وأفئدتنا ... تتلمذنا على حكمتك وبصيرتك النافذة ... شربنا من ينابيع أدبك ومروءتك. أيها الأستاذ والشيخ الجليل ... يعجز قاموس لغتي المتواضع أن يفيك حقك ... ولكنني هنا أجدني فخوراً أن أذكر لك ولكل الوطن ذرات مما تتميز به شخصيتك الفذة. كنت وطنياً بكل الأبعاد، وعروبياً مسلماً بكل المقاييس. لا تمل الحديث عن عشقك للمؤسس الكبير غفر الله له ولك... وهيامك بخادم الحرمين الشريفين الذي اصطفاك وفضّلك على كثير من أقرانك... ما هو إلا الدليل القاطع على علو فكر منير ونظرة ثاقبة وبُعد نظر كبير وأمل وإيمان بمستقبل الوطن وأبنائه. سوف نفتقدك كثيراً... فقد تعوّدنا على جلساتك الصباحية الباكرة في الحرس الوطني التي لو استرجعتُ بعضاً منها لكفتني إلهاماً وحباً أبدياً لهذا الوطن وقائده الهمام. في أول لقاء لي في منزلكم لإلحاقي في المكتب الخاص لخادم الحرمين الشريفين في الحرس الوطني... أرشدتني بكل إخلاص بثلاث درر كانت نبراساً لي في مسيرتي معك في خدمة الوطن: الإيمان بالله والنية الحسنة وخدمة الوطن بكل إخلاص. كنت مقدساً لدينك عاشقاً لوطنك ومليكك... عروبتك بلا أبعاد... كان يبكيك خصام الإخوة العرب حتى الأشقاء منهم... أتذكر جهودك لجمع الإخوة الألداء... ذهبت إلى برزان التكريتي في جنيف محاولاً إنهاء خلافه مع أخيه الرئيس صدام حسين غفر الله له... كنت تجتمع في باريس محاولاً لمّ شمل رفعت الأسد مع أخيه الرئيس حافظ الأسد رحمه الله... وفي باريس ودمشق اجتمعت أكثر من مرة بالراحل الكاتب الكبير عبدالرحمن منيف ناقلاً إليه رغبة الملك، يحفظه الله، ورغبتك شخصياً بعودته وعائلته معززاً مكرماً إلى الوطن... ولا ننسى جهودك أيضاً مع الأستاذ عبدالله الطريقي رحمه الله الذي عاد معززاً مكرماً إلى الوطن... ومحاولاتك إلى هداية الكاتب عبدالله القصيمي رحمه الله وعودته إلى وطنه التي لم يكتب لها النجاح. كنت حريصاً بلا حدود على إخلاء الوطن من الأعداء والمعارضين... دعوتهم كلهم بكل طوائفهم ومللهم ونحلهم إلى الوطن... تناظرهم وتناقشهم... تتفق معهم حيناً وتعارضهم أحياناً... أحبوك وأحبوا وطنك... وخلت أفكارهم من كل زيف كان يخالطهم عن هذا الوطن الكريم. حتى أنك كنت من الروّاد الذين دعوا ثلة من اليهود الأميركيين الذين ناصبوا هذا البلد العداء لفترة... ثم قشع عن اذهانهم ما علق بها من أكاذيب وبهتان... وفي هذا المجال أتذكر دعوتك لي في صباح باكر... وطلبك مني أن أعرض لك نبذة عن شخصية فؤاد عجمي الذي كنت ستلتقيه مع وفد أميركي بعد ساعات في ذلك اليوم... كنت تحرص على المعلومة الدقيقة عمّن ستلقاه وتحاوره... كان عنوان حواراتك الفكرية ومقدماتها عن عشقك للملك الموحّد طيب الله ثراه... ثم الولوج في تاريخ الأمة ونهضتها وأزماتها وانتكاساتها والسبل إلى نهضتها من جديد. أسست لهذا الوطن وبتوجيه من خادم الوطن والحرمين الشريفين مهرجاناً وطنياً للثقافة كان وما زال موئلاً للحوار العربي والوطني كل سنة... وقد سبقت الجميع الى فكرة إنشاء مركز للدراسات المتخصصة في المكتب الخاص لخادم الحرمين الشريفين بالحرس الوطني يعنى بإعداد الدراسات والتقارير التي تعين ولي الأمر في اتخاذ قراراته واخترت له نخبة من أبناء الوطن المؤهلين تأهيلاً عالياً... كنت أيها الطود الشامخ قريباً من قلوب أبنائك وأصدقائك... كنت صادقاً مع نفسك ومع الآخرين... معنا جميعاً... نحن الذين عرفوك وعملوا معك عن قرب... أذكر موقفك... ومواساتك للأسرة يوم وفاة والدنا... وكنت يومها في حضرة خادم الحرمين الشريفين مولاي الملك عبدالله الذي تكرم بالاتصال بالأسرة فرداً فرداً لتقديم العزاء... غفر الله لك وجعلك من أولياء الله الصديقين الصالحين وجعل علّيين... مثواك ومنزلك الأبدي... وحفظ الله لنا مليكنا المحبوب وأمده بالصحة وطول العمر وألبسه ثياب العافية الأبدية وعاش وطننا موئلاً وملاذاً لكل الأوفياء من أبناء الأمة جمعاء. * المدير العام لمكتب رئيس الحرس الوطني للشؤون السرية