أفلحت "هيئة جمع الصف الوطني" في السودان التي يقودها الرئيس السابق عبدالرحمن سوار الذهب في جمع الرئيس عمر البشير وأقطاب المعارضة الرئيسية في البلاد على طاولة واحدة، في لقاء هو الأول منذ 17 عاماً. وفي وقت يتوجه البشير اليوم إلى القاهرة لإجراء محادثات مع الرئيس المصري حسني مبارك، ألغى مسؤول ليبي زيارة معلنة إلى الخرطوم أمس، في خطوة اعتبرت تحفظاً من طرابلس على"اتفاق الجنادرية"الذي رعته السعودية بين السودان وتشاد. وتناول البشير وزعماء أحزاب"الأمة"الصادق المهدي و"المؤتمر الشعبي"الدكتور حسن الترابي و"الشيوعي"محمد إبراهيم نقد و"البعث"على الريح السنهورى ونائب رئيس"الحزب الاتحادي الديموقراطي"أحمد الميرغني ورئيس"جماعة أنصار السنة"الشيخ محمد هاشم الهدية، العشاء على مائدة سوار الذهب. واعتذر عن عدم حضور اللقاء النائب الاول للرئيس زعيم"الحركة الشعبية لتحرير السودان"الفريق سلفاكير ميارديت ونائب الرئيس علي عثمان طه. وقال الناطق باسم"هيئة جمع الصف الوطني"وزير الدفاع السابق اللواء عثمان عبدالله إن اللقاء"كان ودياً ومثمراً"، مشيراً إلى أنه يأتي في ختام لقاءات عقدتها الهيئة مع القوى السياسية على مدى شهور بهدف التقريب بينها. وأوضح أن الهيئة بدأت لقاءات منفصلة مع زعماء الأحزاب وانتهت بلقائهم مجتمعين. وأضاف أنها طرحت على البشير وزعماء المعارضة حصيلة جهودها خلال المرحلة السابقة، مشيراً إلى أن الترابي أعرب عن أمله في أن يتجدد اللقاء. ويُنتظر أن تطرح الهيئة غداً ميثاقاً سياسياً على قوى الحكم والمعارضة. وقال نقد إن"السياسيين السودانيين يمكن أن يلتقوا ويتحاورا اجتماعياً، لكن عندما يحين موعد العمل السياسي، فإن أي شخص لديه محددات أخرى وطريقة عمل تختلف عن تلك التي تظهر في المناسبات الاجتماعية". وكانت الهيئة تشكلت بمبادرة من بعض الشخصيات الوطنية غير الحزبية نهاية العام الماضي، للبحث في كيفية معالجة الأزمة بين الحكومة والمعارضة من جهة ومسلحي دارفور من جهة أخرى، إلى جانب حض القوى السياسية على وحدة الصف"بغية تجنيب البلاد ويلات التقسيم والاحتراب". غير أن خطوات الهيئة تعثرت في البداية بسبب تشكيك المعارضة السودانية في رغبة حكومة البشير في تحقيق إجماع وطني، واتهامها باللعب على عامل الوقت للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. إلى ذلك، يتوجه البشير إلى القاهرة اليوم في زيارة رسمية يجري خلالها محادثات مع الرئيس مبارك تركز على أزمة دارفور وفرص تسويتها وإمكان تجنب مواجهة بين الخرطوم والمجتمع الدولى، إضافة إلى رفض الحكومة السودانية التعامل مع طلب المحكمة الجنائية الدولية توقيف وزير الدولة للشؤون الانسانية أحمد هارون والقيادي في قوات الدفاع الشعبي علي كوشيب، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. ويرافق البشير إلى القاهرة وزيرا شؤون الرئاسة الفريق بكري حسن صالح والتعاون الدولي التيجاني صالح فضيل والمدير العام لجهاز الأمن والاستخبارات الفريق صلاح عبدالله. وعُلم أن البشير سيبقى في مصر بضعة أيام بعد انتهاء زيارته الرسمية في عطلة خاصة. وكانت عقيلته وداد بابكر سبقته إلى القاهرة قبل أيام في زيارة خاصة. وفي تطور لافت، ألغى مسؤول الشؤون الافريقية في الخارجية الليبية علي عبدالسلام التريكي زيارة معلنة إلى الخرطوم أمس لنقل رسالة من العقيد معمر القذافى إلى البشير، بعد إرجائها الجمعة. وبعث التريكي برقية إلى الخارجية السودانية يعتذر فيها عن إكمال الزيارة"لارتباطات خارجية"، كما أبلغ الخرطوم بأنه سيعبر الأجواء السودانية اليوم في طريقه إلى إثيوبيا وجنوب افريقيا. ورجحت مصادر في الخارجية السودانية أن يكون إلغاء زيارة التريكي رداً من طرابلس على"اتفاق الجنادرية"للمصالحة بين السودان وتشاد الذي رعته القيادة السعودية الخميس الماضي. وأشارت إلى أن الخرطوم تدرك أن القيادة الليبية ستنظر إلى النجاح السعودي في المصالحة بحساسية، لذا بادر وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني علي أحمد كرتي إلى نفي أن"يكون اتفاق المصالحة الذي وقعته بلاده مع الحكومة التشادية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز موجهاً ضد النظام الليبي". وحاول ترضية القذافى بقوله إن"الاتفاق في أول بنوده الأساسية يستند إلى اتفاق طرابلس التي تحرس الحدود بين البلدين، وليس في هذا الاتفاق نص ولا معنى يفهم أنه موجه ضد بلد آخر، ناهيك عن أن ليبيا صديقة للبلدين". من جهة أخرى، أفادت تقارير في الخرطوم أمس نقلاً عن مصادر وثيقة الصلة بمتمردي دارفور، أن جهات دولية واقليمية"لها ثقلها"تسعى حالياً إلى بلورة مشروع حل شامل لأزمة الإقليم. وأشارت إلى أن المشروع يتضمن عدداً من النقاط، أبرزها توحيد ولايات دارفور الثلاث في إقليم موحد مع حصول الإقليم على منصب نائب للرئيس في السلطة المركزية يكون من نصيب القبائل الافريقية، على أن يكون منصب رئيس الادارة الموحدة في الاقليم من نصيب القبائل العربية. وأضافت أن المشروع سيكون على غرار تشكيل حكومة الجنوب الحالية، كما يتضمن أيضاً تخصيص نسبة من الموازنة العامة للإقليم. وفي سياق موازٍ، حذر المندوب السوداني لدى الأممالمتحدة السفير عبدالحليم عبد المحمود من أن الزيارات المتكررة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو إلى مقر المنظمة الأممية في شأن دارفور من شأنها أن تهدد العملية السلمية في الاقليم. واعتبر أن أوكامبو"بدأ في تسييس عمله في المحكمة الجنائية، فبدل تقديم تقرير نصف سنوي إلى مجلس الأمن عن نشاطات المحكمة أصبح يأتي في صورة متكررة ويعقد اجتماعات ثنائية ويلتقي الممثلين الدائمين ويطلب منهم الضغط على السودان". وقال وزير العدل السوداني محمد علي المرضي، أمس، إن إلقاء القبض على أي مواطن سوداني بواسطة المحكمة الجنائية الدولية يعتبر"قرصنة دولية لا تختلف عن أي عملية اختطاف". واتهم أوكامبو ب"تجاوز الفهم الصحيح للعدالة"بعد حديثه عن عقوبات ستفرض على الوزير هارون وكوشيب قبل محاكمتهما أو إدانتهما.