يحجز محمد مكاناً خاصاً في سيارته لعدد من أقراص "سي دي"، لا يفصح عن مضمونها إلى من يركب معه من أصدقائه، فتلك الأقراص تضم مجموعة أنشودات للأطفال، بعضها من أفلام رسوم متحركة ك "توم وجيري"، أو فيلم "الجاسوسات الثلاث". ولا يفصل بين مجموعتي أنشودات الصغار وأغاني الكبار، التي يضعها أحمد في علبة خلف ناقل السرعة، إلا حاجز وهمي يعرفه هو وأبناؤه، بالطبع. وبمجرد صعودهم إلى السيارة، ومهما كان مزاجه، يجبرونه على وضع أنشوداتهم المفضّلة، ولا يقبلون بغير ذلك، مهما حاول والدهم إقناعهم بأهمية نشرة الأخبار الآتية."لا مفر منهم"، يقول مضيفاً:"صرت أحفظ تلك الأنشودات مثلهم، وأردّد ما تصدح به". ويذكر، ساخراً من نفسه، أنه صار يرددها حين يكون في السيارة وحده. وينسحب هذا الوضع على المنزل، حيث تسيطر قناة الكرتون"اسبيس تون"للأطفال، على كل الأحداث والمُجريات. وبمجرد سماع أغنية البداية لحلقة رسوم متحركة، يشرع الأولاد في ترداد كلماتها. وبعض الأعمال عنيف ك"هزيمة الرعد"، وبعضها الآخر رقيق ك"ريمي"المشرّد الذي يبحث عن أمه، من دون أن ننسى الأعمال البطولية ل"الكابتن ماجد"... وتقول نوف الهاجري:"من لا يملك جهازَي تلفزيون في البيت، يخوض حرباً يومية مع أبنائه"، إذ يسيطر الصغار على"الريموت كنترول"ما إن يعودوا من المدرسة، أو يستيقظوا صباح يوم الإجازة. وتضيف:"خياراتهم محدودة في المشاهدة، رسوم متحركة دائماً، وفواصل إعلانية لمنتجات استهلاكية تخص"فلّة"لعبة البنات المفضّلة، وأنشودتها المحفوظة عن ظهر قلب". وتلفت الهاجري إلى أنها تحاول حضّ أبنائها على ترديد الأناشيد المدرسية،"ولكن من دون جدوى، مع أنهم يعرفونها، غير أنني لم اسمعهم يردّدونها، يوماً". وتذكر أنها في طفولتها، كانت تنشد مع زميلاتها كل الأناشيد التي يتعلّمونها،"على عكس أطفال اليوم المنشغلين بفلة وأغنياتها وقطع غيارها". وليست"فلة"وحدها من يستحوذ ذاكرة الأطفال"الموسيقية"، فهناك مغنيات ومغنون آخرون"بشر لا ألعاباً"، ومن بينهم كاظم الساهر وأغنيته"دلع عيني دلع... دلع عمري دلع"التي حشد فيها أطفالا لم يتجاوزا العامين من عمرهم، أو هيفاء وهبي و"الواوا"، وإن لم ترُجْ كثيراً بين الأطفال، مثل"بابا فين"التي غنّاها أطفال منذ سنوات... ويشكّل الأطفال"ثقافتهم"الموسيقية والغنائية بحسب ما يختارون. وبعضهم لا يأخذ مما يملى عليه في المدرسة أو في المنزل، إلاّ وفق مزاجه وتعلّقه. ويبدو أن كتاب المحفوظات المدرسي لا يضم ما يثير اهتمام الأطفال، ومع أنه يعرّف ككتاب"أناشيد"، إلاّ أن الأناشيد فيه مرفوضة، لا تجد طريقاً إلى آذانهم، فلا تخرج من أفواههم، مفضلين عليها كلمات إعلان تجاري لبطاطس مقلية.