حين كان يغني المطرب العراقي كاظم الساهر أغنية دلع عيني للأطفال، كنت أظن أنها تتحدث عن البراءة ولكن بعد أن دخلت إلى العم جوجل لأعرف معنى كلمة دلع التي في كل مرة يظهر لنا شخص على الإعلام ينعت بها الشباب، ولأنها غريبة علينا كبسطاء في الحياة وكبار في أحلامنا وأهدافنا؛ أردت أن أعرف معناها لغوياً، ففي لسان العرب يقول دَلَعَ الرجل لسانه يَدْلَعُه دَلْعاً فانْدَلَع وأَدْلَعه: أَخرجه. والمعجم الوسيط اللسانُ َ دُلُوعاً: خرج من الفم واسترخى من ظمأ أَو تعب لسانَه دَلْعاً أَخرجه. (أَدْلَعَ) لسانَه: أَخرجه. ويُقال: أَدلعه العطشُ ونحوه. (ادَّلَعَ) اللِّسانُ: خرج واسترخى. والصحاح كذلك ذكر في معنى دَلَعَ الرجلُ لسانه فانْدَلَعَ، أي أخرجه فخرج. ودَلعَ لسانُه، أي خرج، هذا بالمختصر ما عرفته لغوياً عن هذه الكلمة. لمعرفة معنى الكلمة عملياً سنأتي إلى معجم الأغنياء ونفتح باب ما قيل في الدلع كلمة دلع بأن يقوم من أنعم الله عليه بالنعم بكل ما هو ليس ضروري لحياة الإنسان (كماليات، رفاهية) ومنها أن يسور أرضاً عامة ويضمها لبنيانه ويكبر حديقته، أن يستأثر بطريق للعامة ويجعله مساراً لقصره، أيضاً أن يحتكر سلعة يعلم أن العامة بحاجة إليها ليجعل سعرها بين يديه، أن يلتف على القانون كي لا يدفع زكاة ما يملك وغيرها. نأتي لمعجم ذوي الدخل المحدود والكادحين ونعرف معنى الدلع، فهو أن يخرج كل ما في جيبه لتوفير الأساسيات دون أن يسأل أحداً. بمعنى أن ينتظر آخر الشهر ليسد إيجار بيته الذي لا يملكه وَيعطي الكهرباء والماء نصيبهم منه وبالباقي يسد حاجة أفراده حتى منتصف الشهر، أن يتخرج من كلية الهندسة ويعمل في خبز الحلويات، أن يكون طالب جامعة في النهار وفي المساء صانع قهوة، أن يصنع شاياً على الجمر والحطب ويبيعه على المتنزهين، أن يبحث عن عمل شريف كي لا ينتظر خصومات حافز، أن يفتح مشاريع صغيرة في برامج التواصل الاجتماعي كي لا يزاحمه هوامير السوق في لقمة عيشه، وغيرها من قصص الكفاح والإصرار في عدم الاستسلام لشبح البطالة أو دلع الأغنياء. لا أدري كيف يطلقون الأحكام على شبابنا وهم لم يتعرفوا عليهم أو لم يسمعوا قصصهم، ولم يتكلفوا أن يدعموا هؤلاء الذين يخلقون من الفكرة البسيطة مصدر دخل لا دلع. لا أنكر أن هناك بعضاً من الشباب مازال همه أن يأتيه راتب من وراء كرسي وطاولة دون أي إنتاجية. قبل عدة أسابيع كانت هناك فعالية اسمها (بسطة ماركت) في جدة، وهذا المكان شاهد حديث وليس الأوحد على الإنتاج المحلي لشباب وشابات سعوديين أبدعوا في الطبخ والخياطة ونجحوا في تدوير ما نعتقد أنه نفاية إلى ديكور منزلي، ومنهم من وجد في التراث مجالاً يستطيع أن يجد له زبائنه، ومنهم من استثمر الهواية في الرسم والطباعة وحولها إلى ذهب، فهل هذا يُدرج ضمن الدلع أم الكفاح، فلقد دلعت أعينهم لكي يجدوا طريقاً للعيش. اختلاف المعاني قد يؤدي إلى سوء فهم وعدم وصول الرسالة، فدلعكم غير دلعنا، والمعاجم تفند ذلك، فما هو كمالي في دلعكم، هو مطلع عيونهم في دلعهم.