يشكّل التضخم، الذي هيمن على الاقتصاد الخليجي أخيراً، عنواناً بارزاً في قائمة التحديات التي تواجه صانعي القرار الاقتصادي والمؤثرين فيه، في ظل تسارع العمل نحو إنجاز مشروع العملة الخليجية الموحّدة. ويتوقّع مراقبون عدم قدرة دول الخليج، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 600 بليون دولار، على إطلاق عملتها الموحّدة في موعدها المقرر في عام 2010، في إشارة إلى الحاجة لإنجاز عدد من المعايير، في مقدمها تحديد أدق لأهداف السياسة النقدية للدول المعنية ووجوب وضع الاتحاد الجمركي موضع التنفيذ. وبينما يتساءل كثيرون عن كيفية تقويم الاقتصاد الخليجي، مع انطلاق العملة الخليجية الموحّدة بعد سنتين وثمانية أشهر، التي تشترط ضمان اختلاف نسبة التضخم بهامش 2 في المئة أعلى أو أقل من أسعار الفائدة في بقيّة الدول، وان لا تزيد أسعار الفائدة أو تقل عن 2 في المئة لدى ثلاث دول خليجية على الأقل، وأن يكون لدى السلطات النقدية احتياط كاف من النقد الأجنبي، لتغطية أسعار واردات البلاد لأربعة اشهر، قبل حلول العام 2010. وكانت أرقام التقديرات المنشورة أخيراً حول معدلات التضخم في دول الخليج أوضحت أن معدّل التضخم سيبلغ في الكويت 3.68 في المئة في العام الحالي، بينما يبلغ في السعودية 3.5 في المئة، وسجّل في البحرين نحو 2 في المئة، وفي سلطنة عُمان بين 3 و 4 في المئة، بينما بلغ المعدل في قطر 11.83 في المئة، أي الأعلى في منطقة الخليج. لكن الحكومة القطرية تستهدف خفضه إلى 6 في المئة، كحد أقصى، خلال العام الحالي. وتحاول حكومة الإمارات من جانبها خفض معدل التضخم إلى 4.5 في المئة في نهاية العام الحالي، من نحو 10 في المئة العام الماضي. واعتبر وكيل وزارة الاقتصاد الإماراتية، عبدالله آل صالح، في حديث الى"الحياة"، أن معدلات التضخم الحالية عالية مقارنة بالسنوات الأربع الماضية، عازياً ذلك إلى ربط دول الخليج عملاتها بالدولار الذي تراجع في شكل كبير أخيراً، على رغم أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك التجاري الأول لدول الخليج، ما ينتج منه فارق في سعر العملة، وبالتالي في أسعار الواردات الأوروبية. وارتفعت نسبة السيولة، نتيجة ارتفاع المداخيل النفطية للدول الخليجية، في وقت عادت الأموال المهاجرة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001، ما ساهم في زيادة العرض على الطلب، خصوصاً في مجال تعزيز مشاريع البنى التحتية، انعكس ارتفاعاً لكلفة مواد البناء وبالتالي لأسعار الإيجارات السكنية والمكتبية العالية نسبياً. ووصف صالح الجهود الخليجية الحالية لمواجهة تحديات التضخم ب"غير الكافية"، لكنه قال إن ذلك"لن يؤثر في جاذبية المناخ الاستثماري الخليجي الخصب بالنسبة للشركات الأجنبية، خصوصاً مع التوجه الحالي بالنسبة لدولة الإمارات على الأقل نحو خفض معدل التضخم إلى نحو 6 في المئة في عام 2007". لكن عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب البحريني، الخبير الاقتصادي جاسم حسين، توقع ان ارتفاع معدلات التضخم لا بد من أن يؤثر في الموازنات والأسعار العامة، وبالتالي في المناخ الاستثماري بالنسبة للشركات الأجنبية العاملة أو الساعية إلى العمل في دول الخليج، مشيراً إلى أن"التضخم ربما يعطّل مشروع الوحدة النقدية مع عدم وجود حلول حالية كافية لإبطاء معدلاته المرتفعة، نظراً لارتباطها بأسباب دولية أكثر من كونها أسباباً محلية". ورأى عضو مجلس الشورى السعودي، إحسان أبو حليقة، في حديثه الى"الحياة"، أن"التضخم والنمو ظاهرتان متلازمتان، لكنه اعتبر أن المستويات الحالية عالية جداً في بعض دول الخليج". وبالنسبة للاقتصاد السعودي، قال إن الاتجاه العام للارتفاع في الأسعار الذي بدا واضحاً في العام الماضي ولا يزال تحت السيطرة، سيؤثر سلباً في حال استمراره، خصوصاً مع تأخر إصدار المعلومات غير المنتظمة حول"مؤشر الأسعار العامة". ولفت إلى أن"التضخم الخليجي إذا استمر بوتيرة متصاعدة ومتباينة، قد يعوق إطلاق العملة الموحّدة في وقتها المقرر". وكان"صندوق النقد العربي"دعا في وقت سابق إلى تحرير سياسات أسعار الفائدة في الخليج من روابطها التقليدية بأسعار الفائدة الأميركية، بهدف تفادي حصول التضخم. ويعتبر محللون إن تفاوت معدلات التضخم في منطقة الخليج يمثل"أحد الأخطار الأساسية أمام إقامة وحدة نقدية". كما شكك"صندوق النقد الدولي"في تقريره السنوي الدوري حول أوضاع الاقتصاد العالمي السنة الماضية في"القدرة على الوصول إلى العملة الخليجية الموحّدة في موعدها المقرر، مرجّحاً أن تعمد الدول الخليجية الست، إلى تعزيز تنسيق سياساتها النقدية، إلى حين تمكّنها من تحقيق هدفها".