استغرق حصول فريق الاممالمتحدة على إذن زيارة قريتي تيرو ومارينا، في وادي تشاد على 45 كلم من حدود غرب السودان، نحو اسبوع. وعند وصول الفريق، مطلع هذا الشهر، كانت رائحة الجثث المتحللة والدماء المسفوكة والدمار في انتظاره. ففي آخر الشهر المنصرم، هاجم تحالف المتمردين التشاديين والميليشيات السودانية القريتين. وقد لا يعرف عدد القتلى أبداً. فالناجون سارعوا الى دفن الجثث، وفقاً لفرائض الشرع. وترجح تقديرات الاممالمتحدة أن نحو أربعمئة شخص قضوا في الهجوم. وبات من الصعب التكهن في أسباب شن مثل هذه الهجمات وشيوعها. والهجوم على قريتي تيرو ومارينا هو الأكثر دموية في السنوات الأربع الماضية بدارفور. وهذه المجزرة دليل على انزلاق النزاع في دارفور الى أزمة اقليمية مدمرة. ولم تفلح الجهود الدولية في إنهاء هذه الازمة. والحق أن معالم نزاع مجموعات اثنية أفريقية سوداء مع حكومة السودان، وهو اندلع في 2003 اعتراضاً على عدم مساواة أهالي دارفور بغيرهم من السودانيين، تبدلت. فهذا النزاع أصبح حرباً بين السودان والتشاد، وقد يمتد الى بقية دول الجوار الاقليمي. وتقود جماعات سودانية وتشادية مسلحة الحرب نيابة عن حكومتي السودان والتشاد. وفي ردها على مجزرتي قريتي تيرو ومارينا، عبرت قوات تشادية الحدود بين تشاد والسودان، وقتلت 17 جندياً سودانياً. ومجزرة تيرو ومارينا، والرد عليها، هما علامة على انعطاف النزاع الدائر بدارفور، وسيره نحو حرب اقليمية. فالقتال بدارفور بلغ افريقيا الوسطى، وهي دولة فقيرة وضعيفة تحاذي الحدود الجنوبية - الشرقية السودانية، وممر تعبره الجهات المتنازعة في طريقها الى شن الهجمات. وأسهم تدخل اريتريا وليبيا في تدهور الاوضاع بدارفور، وفي زيادة الاضطراب. فالانظمة الافريقية تتحين الفرص لزعزعة استقرار الجوار. وأخيراً، اضطرت قوات سلاح الجو الفرنسي الى التدخل لحماية حكومتي التشادوافريقيا الوسطى، والدفاع عنهما. وإلى شرق السودان، تدور أفظع الحروب في القرن الافريقي. ففي الصومال تحارب القوات الاثيوبية والحكومة الصومالية المتمردين الصوماليين، والى غرب السودان، تناضل جمهورية الكونغو الديموقراطية لطي صفحة حرب أهلية شارك فيها نحو ستة جيوش إقليمية. ولا شك في أن شروط الانزلاق الى حرب اقليمية بدارفور كانت قائمة منذ بدء النزاع. فغالباً ما توالي القبائل جهات تنتمي الى دول الجوار، وتتخطى، تالياً دائرة الحكومات المحلية وسلطتها. فمفهوم المواطنية وحس الانتماء الى الوطن، ضعيفان ومتهافتان، وفي هذه المنطقة، يحفل التاريخ بفصول الصراع العنيف على مصادر الغذاء النادر بسبب الجفاف والتصحر، وضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن السيطرة على مناطق البدو الرحل. فتنوء الحكومات الافريقية الضعيفة تحت ثقل حدود، موروثة من حقبة الاستعمار السابقة، ولا طاقة لها بالدفاع عنها، والحمل على احترامها. عن أندرو إنغلند، "فايننشيل تايمز" البريطانية ، 26 /4/ 2007