استبعد خبراء أميركيون أن تصل المواجهة بين الكونغرس والبيت الأبيض الى مرحلة قطع الامدادات عن القوات الأميركية لاجبار الادارة على جدولة الانسحاب مثلما حصل في نهاية حرب فيتنام. واعتبر هؤلاء أن الأكثرية الديموقراطية في الكونغرس ستمتنع عن تحدي الرئيس جورج بوش بعد نقضه المشروع وستكتفي في المرحلة الحالية ب"عزله"من خلال الاستمرار في الضغط وتصعيد الخطاب السياسي ضد الحرب لاستمالة الموجة الشعبية المعارضة لها وبالتالي سلب البيت الأبيض الغطاء النيابي في قيادة المعركة. ويقول مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان ل"الحياة"إن الديموقراطيين في الكونغرس"سيكتفون بانتصارهم الأولي في حصد اجماع كاف في مجلسي الشيوخ والنواب أخيراً لتمرير مشروع الموازنة"وربطه بجدولة الانسحاب مطلع السنة المقبلة"من دون أن يتجهوا لقطع الامدادات عن القوات لاجبار الرئيس على جدولة الانسحاب". ويبرر ألترمان هذا التوجه بعدم شعبية هذا الطرح قطع الامدادات في الوسط الأميركي، خلافاً لحرب فيتنام، اذ ان الأكثرية تؤيد القوات على رغم معارضتها الحرب، كما يعود للانقسامات داخل الحزب الديموقراطي حول موضوع الانسحاب وعجزه بالتالي عن تأمين ثلثي الأصوات لنقض الفيتو الرئاسي المتوقع من بوش. وانعكست هذه الانقسامات أخيرا برفض نواب مثل هيلاري كلينتون أو جون كيري تبني طرح زعيم مجلس الشيوخ هاري ريد بأن واشنطن خسرت الحرب. ويشير الخبير في شؤون الكونغرس جوليان زيليزر الى أنه ليس من عادة الكونغرس تحدي البيت الأبيض في زمن الحرب، باستثناء تجربة فيتنام التي أجبرت فيها ضغوط الكونغرس الرئيس ريتشارد نيكسون على الانصياع للمطلب النيابي والاعلان عن الانسحاب بعد قطع تمويل الحرب وسقوط سايغون في 1975. ويرى زيليزر أن الارتداد الشعبي والنيابي على الحرب في العراق"لم يصل الى مستوى فيتنام بعد"انما نجح اليوم في ايقاع البيت الأبيض في عزلة حول الحرب، وساهم في تحول الخطاب السياسي في الحزب الديموقراطي على الأقل نحو تأييد الانسحاب اضافة الى احداث انشقاقات في صفوف الجمهوريين أبرزها انتقال السناتور تشاك هايغل الى صف المعارضة للحرب. ويتوقع زيليزر أن تتسارع وتيرة الانشقاق في الحزب الجمهوري في السنتين المتبقيتين لبوش في البيت الأبيض مع مواجهة 21 نائباً من الحزب صناديق الاقتراع واضطرارهم الافتراق عن خط الرئيس بوش في حال استمرار هبوط التأييد للحرب وارتفاع حصيلة قتلى الجيش الأميركي التي وصلت الى 3333. كما تلعب انتخابات الرئاسة دوراً محوريا في حسابات الكونغرس، وساهمت في ابتعاد نواب مؤيدين للحرب سابقاً ومرشحين حاليين للرئاسة مثل كلينتون أو جوزيف بايدن عن دعم الحرب لمجاراة التغيير في القاعدة الشعبية للحزب، فيما يكلف تأييد الحرب اليوم المرشح الجمهوري جون ماكاين شعبيته في صف الجمهوريين وتراجعه الى المركز الثالث بعدما كان يتقدم باقي المرشحين. وعن الأزمة الحالية، يتوقع ألترمان أن تنتهي باستخدام بوش صلاحية الفيتو ونقضه مشروع الكونغرس، وإجبار النواب بالتالي على صوغ مشروع جديد يتوافق مع توجه الادارة ويتبنى بعض اقتراحات الكونغرس بزيادة الضغوط على الحكومة العراقية. ويشير ألترمان الى أن هكذا نتيجة"سترضي الفريقين"، اذ سيحقق فيها الديموقراطيون انتصارا سياسيا ورمزيا لتحديهم بوش وسلبهم اياه الغطاء النيابي للحرب للمرة الاولى منذ بدئها في 2003، وستبقى للبيت الأبيض الكلمة الأخيرة في ادارة الحرب لعجز الديموقراطيين عن تأمين 60 في المئة من الأصوات لكسر الفيتو الرئاسي.