يأتي عرض مسلسل "يا بسمة الحزن" على الفضائية السورية، من باب توجيه التحية الى الروائية السورية إلفت الأدلبي 1920-2007 التي رحلت عن عالمنا قبل فترة وجيزة. والمسلسل المذكور قديم في انتاجه نسبياً، اذ يعود إلى مطلع الثمانينات من القرن العشرين، عندما لم تكن الخريطة الدرامية السورية قد توسعت وعرفت آفاقًا تلفزيونية لم تعرفها من قبل. وهو مأخوذ عن رواية من كلاسيكيات الأدب السوري، وتحمل عنواناً غير الذي اختير للمسلسل: "دمشق يا بسمة الحزن"... وتغوص بأحداثها عبر شخصيتها الرئيسة صبرية في فترة زمنية تعود إلى زمن الاحتلال الفرنسي لسورية. عموماً هي رواية شفيفة تروي سيرة هذه الفتاة المعذبة صبرية بنوع من الأسى، اذ تفقد حبيبها عادل، الذي يقتل على يد شقيقها راغب المتزمت والمتسلط. حتى هنا لا توجد مشكلة من أي نوع، بغض النظر عن التفاصيل الكثيرة التي يتطلبها مسلسل تلفزيوني يعد من حيث المبدأ من بواكير الدراما السورية، التي وان عرفناها جيداً الآن، فإنها قد شهدت ارهاصاتها بالتأكيد في هذه البواكير على أيدي هؤلاء الرواد من أمثال لطفي لطفي مخرج العمل. ومع ذلك فإن عرض المسلسل الآن يقود مباشرة إلى السؤال عن دور الرقيب الدرامي الذي قرر في تلك الأيام شطب اسم دمشق من المسلسل ليصبح"يا بسمة الحزن"، على رغم ذيوع اسم الرواية وارتباطها باسم الادلبي، التي ما إن كان يلفظ اسمها في عالم الأدب السوري حتى كان يقرن من فوره باسم الرواية الى درجة يمكن إدراجها في خانة"أعمال أشهر من مؤلفيها". يعرض المسلسل بعد ربع قرن تقريباً من دون السؤال عن دور الرقيب الذي غافل الجميع في تلك الأيام، وقرر أن يشطب اسم أقدم عاصمة في التاريخ من مسلسل تلفزيوني بذريعة واهية، اذ لم يتصور أن دمشق قادرة على أن تكون بسمة حزن أيضاً، فهي ان ابتسمت فلا يجب أن تحزن البتة، لأنها ان حزنت، ستنتقص من قدرها وقدر أهلها. ربما لم يدر بخلد أحد أن يدقق بتلك الواقعة، فهي لم تكن لتطفو على السطح مع وجود رقابات عربية أشد ايلاماً وأقسى ولا تطاول بسمة هذه المدينة أو تلك، ولكن" أفلمة"الرواية ذاتها الآن سينمائياً يقود إلى تساؤلات من نوع آخر. فمع الاستعدادات المكثفة التي تدور في العاصمة السورية من أجل اعلانها عاصمة للثقافة العربية في العام 2008، أصبحت الرواية في عهدة المخرج السينمائي السوري ماهر كدو الذي يصور بالفعل الآن جزءاً من أحداثها في مدينة حماة السورية، والطريف في الأمر أن السيناريو المقتبس عن الرواية كان يحمل من قبل عنوان"الصابرات"، وعندما أعيد إحياء المشروع حاول كدو أن يبحث عن اسم آخر إلا أن ادارة المؤسسة أصرت أن يكون"دمشق يا بسمة الحزن". رحلت إلفت الادلبي قبل أن تشاهد الأفلمة السينمائية لروايتها بعدما عادت إلى اسمها الحقيقي، ولم تدرك فداحة الأسى في اعادة عرض المسلسل منقوصاً، ولكن ربع قرن من الزمن كان كافياً ربما ليدرك الرقيب المسؤول عن هذا الخطأ أنه يمكن لدمشق أن تبتسم بحزن من دون أن يتدخل هو بحيرتها في تفسير معنى الوجود!