يضطلع شينزو آبي، رئيس الحكومة الياباني منذ ستة أشهر، بدور راجح في بناء يابان معتد بنفسه، وغير ميال الى الاعتذار عما بدر منه من اساءة الى جيرانه. ومن يظن أن الخلاف على مدافن ياسوكوني هو ذريعة يتذرع بها الصينيون والكوريون الى الطعن في اليابان لأغراض سياسية غير معلنة، لا شك أنه لم يطأ شرق آسيا. فالمسألة لا تقتصر على مجرمي الحرب الأثني عشر الذين تواريهم المدافن، بل هي المتحف العسكري الملحق بالمدافن. فالمتحف يعرض النسخة الأولى من الطائرة المعترضة ميتسوبيشي، ثم نماذج من مدرعات ورشاشات. ويتوج المتحف"وثائقه"هذه برواية حرب المحيط الهادئ. وتزعم هذه القول الفصل في"حقيقة تاريخ اليابان المعاصر"من وجهة نظر قومية. وبحسب الرواية القومية هذه، اليابان هو ضحية القوى الاستعمارية الأوروبية، بينما كان يسعى في حماية بقية آسيا من النفوذ الأوروبي. واحتلال اليابان كوريا لم يكن احتلالاً، بل كان"شراكة". ولا يقع القارئ على سطر يتناول ضحايا النزعة العسكرية اليابانية بنانكين الصينية أو مانيلا الفيليبينية. وليس في اليابان متحف آخر يتولى رواية تاريخ البلد في القرن العشرين على وجه آخر. وتتعهد المتحف منظمة دينية خاصة. وعليه، رفضت الحكومات اليابانية المتعاقبة تحمل المسؤولية عن الايديولوجية التي يرفع لواءها ويذيعها. وعلى خلاف ألمانيا، لم يقر اليابان الى اليوم بمسؤوليته عن حرب المحيط الهادئ. وفي 1995، تقدم رئيس وزراء اليابان الاشتراكي، توميش موراياما، من الصين بالاعتذار رسمياً عن الحرب. ولكن اليابانيين لم يناقشوا مسؤوليتهم عنها. ولم يتصدّ أحد لرواية وقائعها في صيغة تخالف تلك التي يتعهدها متحف ياسوكوني. وبعض القوميين، مثل شينشارو ايشيهارا وهو اليوم عمدة طوكيو، يرددون من غير وجل أن أهل منشوريا يذكرون اليابانيين واحتلالهم بالخير وعرفان الجميل، وأن عيون الصينيين دمعت حين جلا الجنود اليابانيون عن بلدهم. ويذهب كاتب يميني الى أن حرب المحيط الهادئ هي ثمرة إرادة أميركا إبقاء شعب غير أبيض في قبضتها وتحت سيطرتها. ويزعم كتاب يابانيون كثر أن مجزرة نانكين لم تحصل. ويصغي جمهور محلي عريض الى هذه المزاعم. ولم يتورع القوميون عن محاولة ترهيب السياسيين الذين ينتقدون زوار ياسوكوني. فوضعوا متفجرة قرب بيت كاتوكويشي، وهو مرشح سابق الى منصب رئاسة الحكومة. ولكن رئيس تحرير"يوميوري شيمبون"اليومية، والمحافظة، كتب مقالات عدة في نقد زيارات كويزومي الى المدافن، ودعا الى الإقرار بالمسؤولية عن وقائع الحرب، من غير تهديد الى اليوم. ويورط هذا كله الولاياتالمتحدة، ويحملها على مركب خشن. فبعض المخططين الاستراتيجيين الأميركيين يشيرون بتوسل بنود معاهدة الأمن الأميركية - اليابانية الى احاطة الصين بحاجز دفاعي على غرار"الناتو". ومنذ نهاية الحرب الباردة، تدعو الولاياتالمتحدةاليابان الى التسلح وهي أيدت رسمياً اعادة النظر في المادة التاسعة من الدستور الياباني، أي المادة التي تحظّر على اليابان انشاء قوة عسكرية أو المبادرة الى شن حرب. ولا ريب في أن على اميركا التزام الحذر، فمشروعيتها في الشرق الأقصى مصدرها تولي حق اليابان في دفاعه عن نفسه محل اليابان. فإذا ألغى اليابان المادة 9 من دستوره، واستسلم للحمى القومية، حكم على نفسه بالعزلة. وإلغاء المادة 9 جزء من برنامج آبي، منذ وقت بعيد. ولكن اقدامه على الإجراء رهن بنصائح أصدقائه الأميركيين. وسكت الرئيس بوش عن انبعاث النزعة القومية اليابانية ما بقيت القوة العسكرية اليابانيةالعراق. وأما وقد انسحبت القوة هذه من العراق، فربما فاتح الرئيس الأميركي شينزوآبي في الأمر. عن فرانسيس فوكوياما عميد قسم السياسة الدولية في جامعة جونز هوبكينز، "أميريكان انتيريست" الأميركية ، 4 / 2007