يشارك "متحف أورسي" في معارض الفن البلجيكي في معرض مثير لأحد أشهر رواده بعد انسور وهو ليون سبياير 1881 - 1946 يستمر حتى نهاية أيار مايو 2007. هو استمرار معرض بانورامي نظير للفنان نفسه في متحف بروكسيل. أما الجديد في المعرض الباريسي فهو تخصّصه نسبياً في لوحاته"الأوتو بورترية"تصوير ذاته التي تميّز بها. تتضاعف المرايا في حال فناننا فيبدو والمشهد أشدّ تخييلاً والتباساً. وأكثر من ذلك فإن هذه"الأوتوبورتريهات"30 لوحة ضمن المعرض أنجزت جميعها خلال العقد الأول من القرن العشرين، هي الفترة الأشد خصوبة وتميزاً في مسيرته المحفوفة بالأسرار. ولم يكن إيقاع إنتاجه متماثلاً في حيويته، وذلك بسبب فترات هموده وتعثّره بسبب الاكتئاب والاغتراب، لكن هذه الصفات السوداء تمثل أصالته البسيكولوجية الحادة، فخصائصه تنزلق من"الرؤية الرمزية"إلى"التعبيرية العزلويّة"مثله مثل أنسور وبيرميك، ويشارك تجربة النروجي ادوار مونخ أو النمسوي شييل وهم معاصرون له ولدت فكرة المعرض مع صعود موجة الاهتمام بغوامض"الفن البلجيكي"، ومع اقتناء"متحف أورسي"لأشهر"أتوبوتريهات"هذا الفنان مع الأقنعة. تسمح اللوحة مع نظائرها بالتعرف على خصائصه الفنية الملغّزة، سواء من خلال مجموعة رؤوسه الشخصية الكافكاوية المحبطة المذكورة أم سواها من الموضوعات. يصور ليون بكآبة سواد الليل وبياض التماعات الأضواء الشاحبة. يغذّي هذه الألوان الزاهدة بالقليل من الزهري أو الأزرق أو بعض الشفافيات المقزّحة، أو يقتصر على اللون الكابي المستقى من قتامة الأسود والبنّي الترابي المعتم. لا يلجأ الى تقنية الألوان الزيتية ذات العجائن الصباغية الكثيفة والتي تنحت مادة وأنسجة السطوح على اللوحة بل إلى تقنية زاهدة مختلطة من الأقلام والمائيات من خلائط الحبر الصيني مع اللاقي أو أصابع الباستيل، تعطي جميعها غلالة شفافة أو شافة متعاكسة داخل تراشحات الزجاج وقزحياته، مستخدماً مادة الورق بقياسات متواضعة. لا يلجأ إذاً إلى مادية الألوان الزيتية بل إلى شفافية المواد الخفيفة المشار إليها والخاصة بصقل موهبة الرسم لديه، فهو رسام موهوب واستثنائي. ولكنها مواد تمنح لوحاته طابعاً كرافيكياً أقرب إلى الطباعة. لا يخلو ملمس اللوحة من وهم الزوغان البصري، يعكسه التلامس مع الزجاج والمرايا شبه الشفافة. يتسرب اللون والمعنى الرمزي لليل في شتى كائنات المشهد العدمي، فتبدو كائناته الصامتة كابوسية مثل النباتات البؤرية المسنّنة أو العلب الملغزة، تستكمل جميعها أجواء العزلة والاغتراب السيزيغي، مقتربة في تأملاتها من قراءاته لفلسفات شوبنهاور ونيتشه. يعبّر اللون الليلي عن صمت الوحدة وعن وحشة العزلة والدنو من هاجس الموت، تشتبك نظراته الحادة القلقة بغربة الوجود والعدم لدرجة الهلوسة والهوى الهذياني والقحط الروحي. يقترب الوجه والهامة من هيئة الأشباح التي تسكن المسافة بين الحلم والكابوس. مشهد ليلي تكفنه انعكاسات محبطة تقدم خصائص الرأس وتمسح معالمه بألاعيب الظل والنور. تنسحب هذه الفورة التعبيرية على عدمية مواقع العناصر الأخرى مثل العلب المتراكبة والمتضاعفة الانعكاس معبّرة جميعها عن هذا"الانفصام المرآتي". يظهر منسحباً إلى عزلة المحترف، بوحشته الليلية والتي تمثل ألوانها تحولات رهيفة تتناقض مع شبق الألوان الانطباعية التي شغلت أقرانه في باريسوبروكسيل.