في القارة الافريقية حيث العمر المديد والخبرة يفرضان الاحترام، استطاع الرئيس السنغالي عبدالله واد المنتهية ولايته أن يزيح أربعة عشر مرشحاً في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم الأحد 25 شباط فبراير الماضي، ليحصل بحسب النتائج التي أذاعتها وكالة الأنباء السنغالية الرسمية على 55.86 في المئة من أصوات الناخبين، أي ما يعادل 1.910.368 من أصل 3.419.755 ناخباً، بينما حلَّ المرشح إدريسا سيك - رئيس سابق للوزراء - في المرتبة الثانية وحصل على نسبة 14.93 في المئة، أما مرشح الحزب الاشتراكي عثمان تانغور ديينغ، فقد جاء في المرتبة الثالثة، وحصل على نسبة 13.57 في المئة. وبحصوله على الغالبية المطلقة، تجنب واد جولة الإعادة التي كانت متوقعة في ضوء العدد الكبير من المرشحين الذين سارعوا الى توجيه انتقادات شديدة وقالوا، إن من المستحيل أن يفوز الرئيس من الجولة الأولى بهذه النسبة من دون حدوث تزوير. واتهمت المعارضة بقيادة الحزب الاشتراكي الرئيس واد والحزب الديموقراطي الحاكم بعدم الوفاء بوعودهما في الانتخابات السابقة خصوصاً في مجال تحسين مستوى المعيشة في بلد يعاني نصف سكانه من الفقر، وبالإخفاق في مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب السنغالي الذي يحاول الوصول الى أوروبا بقوارب الصيد. وفي المقابل، أكد تقرير لبعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس أن العملية الانتخابية تمت عموماً بصورة نزيهة وشفافة ومنحت الناخبين حرية الاختيار. لكن تقارير مراقبي"إيكواس"سجلت مخالفات في بعض مراكز الاقتراع وُصفت بأنها غير مؤثرة على نزاهة العملية الانتخابية في شكل عام مثل تأخر الاقتراع وعدم توفير الإمكانات الضرورية. وكان واد، وهو في الثمانينات من العمر، وصل إلى السلطة بفوزه في انتخابات 19 آذار مارس عام 2000، على الرئيس الاشتراكي السابق عبده ضيوف، الذي ورث رئاسة الحزب الاشتراكي والحكم من الزعيم التاريخي السابق، شاعر السنغال المعروف ليوبولد سيدار سنغور في كانون الأول ديسمبر عام 1980. ومن المعروف تاريخيا أن الحزب الاشتراكي السنغالي الذي لم يستطع منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، أن يحدث تحولاً ملموساً في بنى الاقتصاد القائم على تصدير الأسماك والحبوب والفوسفات، قد كرس نظام الحزب الواحد على مدى 40 سنة، وجعل من السنغال أكثر الدول الافريقية استقراراً. وكان عبده ضيوف الذي رحل عن الحكم بسبب الفترة الطويلة التي أمضاها الحزب الاشتراكي في السلطة التي أصابته بحال من الترهل والشيخوخة، وبسبب عجز الحزب عن استقطاب أجيال جديدة، وكذلك بسبب اعتماد ضيوف على التكنوقراط، البطارقة الأشبه بموظفي صندوق النقد الدولي. وفي الواقع فقد شهدت سنوات حكمه التحاق السنغال بنظام العولمة، والتخلي عن التسويات الاجتماعية الاقتصادية، التي جاءت بعد مرحلة الاستعمار. وكانت السنغال أول دولة افريقية جنوب الصحراء الكبرى تنفذ سياسة تسوية بنيوية في عام 1984، ونالت شهادة رضى من مؤسسات"برايتون وودز". لكن على رغم نتائج قطاعي صيد الأسماك والسياحة - وهما القطاعان الأكثر نشاطاً في البلد - فقد ظلت التوازنات هشة، إذ ارتدّ تدهور زراعة الفستق العبيد والقطن والأرز سلباً على بقية قطاعات الاقتصاد. وواجه برنامج الإصلاح الهيكلي تحديات عدة، لا سيما تقدم القطاع غير الرسمي للاقتصاد الشعبي، وتزايد الفقر على رغم ضآلة عدد السكان 12 ميلون نسمة في ذلك الوقت، وبدأت التوترات الاجتماعية اضرابات، اختلال الأمن المدني، وارتفاع معدلات البطالة والجريمة لتضاف إليها التكلفة الاجتماعية لسياسات الاصلاح المتبعة من دون نجاح يذكر. وأمام هذا التقويم السلبي لمرحلة ضيوف، صوّتت غالبية السنغاليين لمصلحة التغيير في العام 2000، آملة بأن يشكل فوز عبدالله واد منعرجاً سياسياً جديداً في تاريخ بلدهم. وبالفعل، فقد أنهى واد أربعين سنة من حكم الحزب الاشتراكي. ومن المعلوم أن المحامي البارز واد خاض صراعاً قاسياً ضد ضيوف، وأصبح بطلاً لانتقال نادر للسلطة سلمياً في افريقيا، بفضل اعتماده على الشباب، وعلى تحالف غير متجانس لمعارضي"النظام الاشتراكي". ومنذ الأزمة الإيفوارية ساحل العاج أصبحت السنغال تمثل الواجهة الديموقراطية لافريقيا الفرنكوفونية. فالبلاد تعتبر مثالاً نادراً لديموقراطية ناجحة في أفريقيا. وهي دولة فرنكوفونية يدين 95 في المئة من سكانها بالإسلام ويترأسها الرئيس عبدالله واد المؤيد للولايات المتحدة، على رغم العلاقات التاريخية مع فرنسا القوة الاستعمارية السابقة. ولا يُخفي الرئيس واد عزمه على التقرب من الولاياتالمتحدة التي يشاطرها فلسفتها الليبرالية على أكثر من صعيد، أولاً من خلال الحزب"الحزب الديموقراطي السنغالي"الممعن في ليبراليته والذي يتزعمه، وثانياً بصفته أحد محركي الشراكة الجديدة من أجل تنمية افريقيا نيباد وهي خطة شاملة طموحة تهدف إلى إخراج افريقيا من الفقر عبر الاستعانة خصوصاً بمستثمرين من القطاع الخاص في الدول الصناعية الغربية. وبعد سبع سنوات، ها هو واد، يحقق نصراً جديداً، بعد أن خاض الانتخابات واعداً بمواصلة الإصلاحات السياسية وبرنامجه الاقتصادي الذي حقق زيادة ملحوظة في إجمالي الناتج القومي، وبتعهده خلال حملته الانتخابية بمشروعات طموحة تشمل شق طرق سريعة وبناء فنادق خمس نجوم وسكك حديد وموانئ ومطارات في إطار خطة لجذب الاستثمارات ومكافحة البطالة. غالباً ما يُعرَّف عن الديموقراطية بأنها أفضل النظم السياسية، لكنها طالما كانت شكلاً نادراً من أشكال الحكم. ذلك أنّ ما من نظام يستجيب تماماً للمثال الديموقراطي الأعلى الذي يفترض استقامة كاملة من الأقوياء في تعاملهم مع الضعفاء وإدانة جذريّة لأيّ سوء استعمال للسلطة. ولأنّ المطلوب أيضاً هو احترام خمسة معايير لا غنى عنها: الانتخابات الحرّة، وجود معارضة سياسيّة منظّمة وحرّة، الحقّ الفعليّ في تداول السلطة، وجود نظام قضائيّ مستقلّ عن السلطة السياسية ووجود إعلامٍ حرّ. حتى مع ذلك، فإنّ بعض الدول الديموقراطية، مثل فرنسا أو إنكلترا، قد أنكرَت لوقتٍ طويل حقّ الاقتراع على النساء واستعمرت بلداناً أخرى حيث عبثت بحقوق أهلها. وعلى رغم هذه العيوب، فإن التجربة الديموقراطية في السنغال تبدو نموذجية لجهة التزامها بالمعايير المذكورة أعلاه. وفي الوقت الذي يطمح فيه الرئيس واد الى رفع بلاده إلى مصاف"البلدان الناشئة"، من خلال انخراط السنغال في"استراتيجية نمو متسارعة"، تكون السياحة والزراعة، واستثمار مناجم الحديد، محركاتها الرئيسة، فإن ازدياد أسعار المواد الغذائية الأساسية الأرز، الزيت، الطحين، وأزمة الزراعة، وبقاء البلاد بعيدة عن تحقيق اكتفائها الذاتي على صعيد الغذاء، واتجاه معدل النمو نحو الانخفاض متنقلاً من 6 في المئة إلى 2،8 في المئة في عام 2006، إضافة إلى الارتفاع الجنوني لأسعار النفط، وأزمة إنتاج الفستق العبيد خفض بنحو 30 في المئة في عام 2006 الذي يعيل أكثر من ثلاثة ملايين سنغالي، هذه العوامل مجتمعة، أسهمت في إعاقة النمو. * كاتب تونسي