بعد حوالى 19 عاماً أمضاها في الرئاسة، يجد الرئيس السنغالي عبدو ضيوف نفسه للمرة الاولى، أمام وضع طالما تخوّف منه، قبل كل دورة من دورات الانتخابات الرئاسية التي خاضها منذ سنة 1981. فقد تعذّر على ضيوف الذي يتزعم الحزب الاشتراكي عبر الدورة الاولى للإنتخابات الرئاسية التي شهدتها السنغال في 27 شباط فبراير الماضي، الحصول على نسبة 50 في المئة من الأصوات للفوز بولاية رئاسية جديدة. ويتوجّب عليه بعدما حصل في الدورة الاولى على نسبة 41 في المئة من الأصوات، خوض دورة ثانية في مواجهة منافسه التقليدي على الرئاسة عبدالله واد زعيم الحزب الديموقراطي الذي حصل على 31 في المئة من الأصوات. وتحيط بالدورة الانتخابية الثانية التي تجرى في 19 الشهر الجاري، مؤشرات عدة تسمح بالتكهّن بأن فوز ضيوف مجددا بالرئاسة لمدة سبع سنوات، لا يبدو محسوماً على الاطلاق. وعلى رغم سعيه الى وضع كافة الخطوط الى جانبه بإعداده لحملة انتخابية باهظة الكلفة واستعانته بالخبير الفرنسي جاك سيغيلا، فإن شعار "لنغيّر السنغال معاً" الذي تم اختياره لهذه الحملة، فشل في تحقيق النتيجة المرجوة منذ الدورة الاولى. وأظهرت نتائج الدورة الاولى ان اكثر من ثلثي الناخبين السنغاليين صوّتوا لمصلحة منافسيه وأبرزهم، مصطفى نياس ودجيبوكا، المنشقين عن الحزب الاشتراكي، بالاضافة الى واد. وفيما دعا المرشحون الذين تنافسوا في هذه الدورة، ناخبيهم الى تجيير اصواتهم لمصلحة واد في الدورة الثانية، فإن ضيوف يبدو مهدداً بعوامل ثلاثة هي: الأزمة الاقتصادية التي جعلت ثلث سكان السنغال يعيشون تحت مستوى الفقر، والتآكل المزدوج لشعبيته نتيجة طول مدة وجوده في الحكم ولشعبية حزبه الذي شهد انشقاقات عدة في صفوفه، اضافة الى بروز جيل من الناخبين الشباب الذين ولدوا وكبروا في ظل رئاسات ضيوف المتتالية وباتوا يرغبون في اختيار رئيس آخر. لذا وفي حال التزام منافسي ضيوف بدعوتهم لناخبيهم بحجب اصواتهم عنه، فإن امام واد فرصة حقيقية في تولي الرئاسة، بعد ثلاث حملات فاشلة، خاضها منذ سنة 1978، في مواجهة رئيس السنغال في حينه ليوبول سنغور ثم في مواجهة الرئيس الحالي. ويعد واد شخصية "من الوزن الثقيل" في الحياة السياسية السنغالية. فهو خطيب ماهر ومبتكر كلمة "سوبي" التي اعتمدها شعاراً لحملته ومعناها "التغيير" باللغة السنغالية المحلية. وعلى رغم الثروة الشخصية التي يتمتع بها، فإن واد أصّر على حد قوله، على الاعداد لحملته الانتخابية بنفسه وبمعاونة أبنائه، باعتبارهم أفضل من أي خبراء اجانب يمكنه الاستعانة بهم. ويعتبر واد ان كونه مرشحاً عن الحزب الديموقراطي، اليمين الليبرالي لم يحل دون حصوله على تأييد حوالى ثمانية أحزاب سنغالية، بما فيها اليسار المتطرّف، لذا فهو الشخص الوحيد الكفيل بوضع حد لسيطرة الاشتراكيين على الحكم. وتعهد في حال فوزه بتشكيل حكومة اتحاد وطني وبحل البرلمان ومجلس الشيوخ والدعوة الى انتخابات عامة وبتعديل الدستور بهدف احلال نظام برلماني في البلاد وبإعادة الولاية الرئاسية الى مدتها السابقة، أي خمس سنوات بدلاً من سبع. كما تعهد واد 72 عاماً بالاحتفاظ بالحكم لفترة وصفها بأنها "انتقالية" سيعمل في ختامها على تسليم السلطة لرئيس "شاب". وبإنتظار ما ستسفر عنه الدورة الانتخابية الثانية، تتابع باريس الوضع عن كثب عبر خلية ازمات مصغّرة أنشئت تحسبّا لأي اعمال شغب قد تقع في ضوء نتائج الانتخابات، ولأي تهديدات قد تواجهها الجالية الفرنسية البالغ عددها في السنغال حوالى 16 ألف شخص.