"بوتين لولاية ثالثة". هذا الشعار هو الاكثر انتشارا هذه الايام في موسكو، بين اوساط سياسية وبرلمانية واجتماعية. وازدادت الاصوات ارتفاعا في الآونة الاخيرة مطالبة ببقاء سيد الكرملين في منصبه، حتى لو اقتضى الامر تعديل الدستور الذي يحظر الترشح لأكثر من ولايتين متتاليتين، رغم النفي القاطع، العلني على الاقل، من الكرملين لرغبة الرئيس فلاديمير بوتين في ولاية ثالثة. وطغى الشعار على لافتات عشرات الالوف من الشبان في"تظاهرات تضامنية"تزداد نشاطا في المدن الروسية يوما بعد يوم ، في مؤشر الى ان المطلب انتقل من الغرف المغلقة ونزل الى الشارع، معلنا عن"ارادة شعبية"تعمل على"اقناع"الرئيس بالتراجع عن موقفه المعارض لتغيير الدستور. ودخل السجال طورا جديدا امس، بعدما اثير رسميا في مجلس الشيوخ الروسي، اعلى هيئة فيديرالية بحسب الدستور، اذ اقترح رئيسه سيرغي ميرونوف الدعوة الى اجتماع الهيئة الاشتراعية بحضور ممثلي كل المجالس النيابية في اقاليم روسيا، لمناقشة تعديل يتيح للرئيس الترشح لولاية ثالثة، وتمديد الولاية الرئاسية من اربع سنوات حاليا الى سبع. وبرر ميرونوف دعوته بأن روسيا"بلد كبير يمر بفترة انتقالية قد تمتد الى عشرين او ثلاثين سنة، وفترة اربع سنوات وولايتين رئاسيتين فقط ليست كافية!"لمواجهة التحدي الذي تفرضه المرحلة. وكانت أصوات في روسيا ارتفعت منذ أواسط العام الماضي تتحدث عن"الحاجة الملحة لبقاء بوتين على سدة الحكم"، وان الشعب الذي منحه الثقة مرتين"يطالبه"بالبقاء. ومع اتخاذ التحرك صفة"المطالبة الشعبية"انطلقت اولى الدعوات القوية لتنفيذ المطلب من... الشيشان، الاقليم الذي سجل فيه الرئيس بوتين احد ابرز انتصاراته بعدما قمع التمرد و"اعاد الجمهورية الى مسار الشرعية الدستورية"، بحسب وصف الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف صاحب الاقتراح الذي تبناه في ايلول سبتمبر الماضي المجلس النيابي الشيشاني واطلق شرارة المناقشات في كل الاقاليم الروسية. ولأن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي حيث القرارات كانت تتخذ بمعزل عن ارادة الشعب، ظهرت حركة شبابية اطلقت على نفسها اسم"ناشي"، اي"لنا"، لا يكاد يمر يوم من دون ان تنظم تظاهرات في المدن الروسية، ترفع خلالها في البداية شعار"معا"ليتطور بعد وقت الى"مع بوتين"قبل ان يتخذ شكله النهائي بعبارة..."نعم للولاية الثالثة". ويعتبر ممثلو المعارضة اليمينية واليسارية ان التعديل سيؤدي الى مرحلة من الفوضى تعيد روسيا الى عهود عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. واللافت ان أصواتاً من معسكر الرئيس انضمت الى المعارضين، مثل رئيس مجلس الدوما بوريس غريزلوف الذي وصف اقتراح ميرونوف بأنه محاولة للقيام بدعاية سياسية لحزبه على حساب شعبية بوتين. ويتفق كثير من المحللين مع هذا الرأي رغم اجماعهم على ان حزب"روسيا العادلة"الذي اطلقه ميرونوف اخيراً هو مجرد وجه آخر لحزب السلطة"روسيا الموحدة"الموالي لبوتين. ويرجح هؤلاء ان يواصل بوتين تمسكه بموقفه المعارض للترشح لولاية ثالثة مع احتفاظه بمجالات للعب دور قوي ومؤثر في الحياة السياسية بعد خروجه من الكرملين. وانعكس ذلك من خلال مسارعة الكرملين امس الى الاعلان ان"الرئيس متمسك بموقفه السابق"، وهو أمر حرص بوتين نفسه على تأكيده أكثر من مرة. ويفتح موقف الرئيس الروسي المعلن الباب لكثير من التكهنات والفرضيات حول أسباب العودة الى موضوع"مغلق ولا مجال فيه للنقاش"بحسب تعبير بوتين. فمن جهة يرى البعض ان كل الاحتمالات ممكنة بما فيها"رضوخ الرئيس لمطالب الشعب"في اللحظة المناسبة. ومن جهة اخرى يعتبر بعض آخر ان ما يجري"لا يعدو كونه تمثيلية متقنة"، بحسب تعبير صحافي روسي، موجهة بالدرجة الاولى الى الغرب، وجوهرها ان بوتين يرفض تعديل الدستور رغم الضغوط المتصاعدة الممارسة عليه شعبيا وبرلمانيا فقط لأنه... يحترم الديموقراطية.