تعيش روسيا في هذه الأيام حال فوران. تظاهرات تجوب شوارع المدن، وتجمعات في الساحات، وشعارات مرفوعة في كل مكان. لكنها لا تشبه اعتصامات جورجيا المجاورة. الفارق بسيط، فهناك يريدون عزل الرئيس، وهنا تتعالى الأصوات، راجية منه...ان يبقى! السلطات هناك تستخدم غازاً مسيلاً للدموع وهراوات غليظة لتفريق المتظاهرين، أما هنا فينظر اليهم بعين الرضا حتى لو لم يحصلوا على الترخيص اللازم للتجمّهر، وهو الإذن الذي"تدوخ"المعارضة عادة قبل نيله. وليست هذه التحركات، بحسب تأكيدات البعض، دعاية انتخابية في مرحلة التحضيرات لانتخابات نيابية حاسمة تعهّدت الحكومة ان تكون نزيهة، بل مجرد تعبير عفوي عن عواطف ملايين أفزعتهم فكرة أن الرئيس فلاديمير بوتين سيغادر الكرملين في آذار مارس المقبل. ومنذ أن اعلن بوتين مطلع تشرين الأول أكتوبر الماضي نيته الترشّح لانتخابات مجلس الدوما البرلمان على رأس لائحة حزب السلطة"روسيا الموحدة"، والتحركات المعارضة لمغادرته سدة الحكم تتسع وتزداد نشاطاً. وكانت انطلقت قبل شهور بهدف اقناعه بالتراجع عن"قرار احترام الدستور"، الذي أعلنه مراراً مؤكداً عدم رغبته في إدخال تعديل يتيح له البقاء على رأس هرم السلطة. لكن الجديد أن هذه النشاطات اتخذت أخيراً شكلاً أكثر تنظيماً، ومع التظاهرات التي شملت غالبية المدن رافعة شعاراً يكاد يكون وحيداً:"أنا مع بوتين"، ظهرت منظمات وحركات اجتماعية توحدت جهودها خلف مطلب وحيد صيغ في عريضة سلّمت أخيراً الى الرئيس مضمونها"لا ترحل". واللافت ان هذه المنظمات تكاد تجمع المؤسسات الاجتماعية والخيرية والطالبية والثقافية والمهنية وجمعيات المحاربين القدامى. وبحسب يفغينيا بوبلافسكايا رئيسة احدى المنظمات الاجتماعية، فإن"شرائح المجتمع تربط باسم بوتين آمالاً معينة"، مضيفة انه"لا يهم المواطنين كيف ستحل قضية الولاية الثالثة. فالمهم بالنسبة الينا أن يواصل بوتين القيادة". ويقول منظمو التحركات ان هدفهم"مناشدة الرئيس أن يبقى قائداً لبلاده ينشط في صوغ سياستها الداخلية والخارجية حتى بعد الانتخابات الرئاسية السنة 2008". ولهذا السبب سيعقد مندوبو هذه المنظمات مؤتمراً عاماً الخميس المقبل في مدينة تفير، يُنتظر أن يُعلن خلاله تأسيس حركة اجتماعية موحدة اسمها"مع بوتين"، يلي ذلك تجمّع ضخم ينعقد في موسكو قبل أيام من موعد الانتخابات النيابية، دعا اليه حزب"روسيا الموحدة". ولا يُستبعد أن يسعد الرئيس أنصاره بحضور المناسبة. أما حركة"مع بوتين"فيتوقع أن يُعهد اليها بمهمة إعداد اقتراحات لإعادة هيكلة مؤسسة الحكم ليترأسها بوتين بصفته زعيم الأمة بعد انتخاب رئيس جديد للدولة. ويرى أحد مؤسسي الحركة، الفنان سيرغي بروخانوف، ضرورة تعديل الدستور، معتبراً أنه"لا يجوز تحديد فترات الرئاسة لشخصية قيادية عظيمة يساندها الشعب". يذكر أن بوتين منذ أعلن عزمه الترشّح لانتخابات مجلس الدوما، حسم قضية عودته رئيساً للبلاد ولو موقتاً، في الدورة الانتخابية المقبلة على الأقل. لكن كثراً يشيرون الى"ضرورة ممارسة ضغوط على الرئيس ليغيّر قراره أو لتظهر صيغة جديدة تمكنه من البقاء زعيماً أوحد". والمثير ان العبارة تخفي حنيناً الى عهود مضت، لكن اللافت أن هذا الحنين ليس لقبضة زعيم قوي وحسب بل لكل ما يرافق ذلك من تجليات اجتماعية وسياسية واقتصادية. فقد أظهرت دراسة أعدّها مركز متخصص، أن أكثر من نصف الروس يؤثرون العودة الى نظام الاقتصاد الموجّه. في المقابل، انخفضت نسبة مؤيدي اقتصاد السوق والديموقراطية من 48 في المئة قبل عشر سنوات الى 42 في المئة حالياً، فيما تتزايد نسب مؤيدي فكرة"الطريق الخاص"لروسيا في مسائل الديموقراطية والحريات.