وبغض النظر عن الجدل الاسرائيلي حول الحرب الأخيرة على لبنان، ثمة إجماع شبه كامل على إخفاق هذه الحرب على المستوى العسكري، الذي كان يضفي على إسرائيل صورة الدولة الرادعة والقوية، ويمس بقدس أقداسها الجيش، وذلك بالقياس لقوة إسرائيل وجبروتها وتجاربها. كما أدت هذه الحرب إلى تدهور مكانة ايهود اولمرت، وطرحت الشكوك بشأن قدرته على اتخاذ القرارات الاستراتيجية، مثلما أدت إلى تآكل مكانة حزبه"كاديما"في المجتمع الإسرائيلي. ووصل النقاش، على خلفية تلك الحرب، الى حد المطالبة بمراجعة النظام السياسي وتغيير الخريطة الحزبية، وتجديد العقيدة العسكرية لإسرائيل. هكذا فإن هذه الحرب، وبغضّ النظر عن نتائجها ومآلاتها السياسية والعسكرية،"كوت"وعي الإسرائيليين، وسخرت من غطرسة القوة لديهم، تلك التي تستطيع أن تقتل وتخرّب وتدمّر، لكنها لا تستطيع أن تهزم الطرف الآخر، فهي لا تنجح بإقناعه بالتسليم ولا برفع الراية البيضاء، وفوق كل ذلك هي بالتأكيد لا تستطيع أن تجلب الأمان لشعبها، ولا أن تفرض التطبيع مع محيطها. في هذا الإطار سرّبت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أخيراً، بعضاً من تقارير لجنة التحقيق لجنة فينوغراد، تضمنت ثلاث شهادات، لكل من النائب الأول لرئيس الوزراء شمعون بيريز، ورئيس شعبة الاستخبارات الأسبق اللواء احتياط عاموس ملكا، ورئيس اقتصاد الطوارئ العميد احتياط ارنون بن عامي. ويعتبر نشر هذه الشهادات مرحلة أولى في نشر كل محاضر لجنة التحقيق، وينتظر نشر الشهادات المركزية - لرئيس الوزراء وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق - في النصف الثاني من نيسان / أبريل. هآرتس 23 /3/ 2007 المثير في الشهادات المنشورة أنها أكدت على عدم جاهزية الجيش لحرب لبنان، بسبب ضعف أهليته، بعد أن استنزف قدراته وخبراته في مواجهة الفلسطينيين على الحواجز وفي المخيمات، كما أكدت ضعف القرارات الاستراتيجية، والخلل في العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري. والمثير أكثر أن شمعون بيريز قال بوضوح في شهادته:"لو كان الأمر متعلقاً بي، ما كنت لأدخل هذه الحرب، وما كنت أيضاً لأضع قائمة أهداف الحرب... هوجمنا، وينبغي صد الهجوم. هذا كل شيء... مثلاً، إذا قلت إن الهدف الرئيس هو تحرير المخطوفين، فانك في واقع الأمر تضع نفسك تحت رحمة العدو. لماذا تحتاج لان تقول ذلك؟". وفي شهادته لم يوفر بيريز الجيش الإسرائيلي. إذ أصبح في رأيه، جيشاً يقاتل ضد الإرهاب بدل أن يقاتل أمام جيوش أخرى. وهو ليس جاهزاً لهذه الحرب. إذ حطم قواه في معركة وحشية في غزة وفي أماكن أخرى. أعتقد بأن الجيش دخل هذه الحرب تعباً لأنه كان يعيش حرباً ليست حرباً. نحن نعتبر اليوم أكثر ضعفاً مما كنا وفقدنا من قوة الردع في نظر العرب، والذي يجد تعبيره في مؤشرات نزع الشرعية عن وجود إسرائيل". يديعوت أحرونوت 23 /3/ 2007 طالما اعتادت إسرائيل على إقامة لجان الفحص والتحقيق، كما اعتادت توجيه النقد لنفسها، في معظم المسائل الداخلية والخارجية، لاستخلاص الدروس والعبر للمستقبل، فهذه هي طريقة عمل النظام الإسرائيلي، الذي يتأسس على الديموقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام للقانون والمؤسسات وحرية الرأي والفصل بين السلطات التنفيذية - والتشريعية - والقضائية، ما يشكل قوة مضافة لها"وهي الأمور التي يفتقد إليها، على الغالب، النظام العربي السائد. المشكلة أن غالبية المتابعات العربية، لمداولات النقد الإسرائيلي لحرب لبنان، تحاول تجيير هذا النقد لإرضاء الذات، أو لإشاعة الأوهام، خصوصاً لجهة التقليل من شأن إسرائيل، والتنويه بتخبطاتها وتقصيرها وفسادها، من دون الدخول في عمق المسائل، والتعامل معها بموضوعية. وفي الحقيقة فإن هذا النقد بالذات، على حدّته، هو الذي يقوي إسرائيل، ويعزّز وحدتها، ويساعدها في تجاوز مشكلاتها وتقصيراتها، وهو الذي يساهم في توسيع الفجوة بيننا وبينها. وباختصار فإن هذا النقد هو دليل حيوية ومناعة، في حين أن أوضاعنا الشديدة العطب، من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ما زالت عصية على النقد. * كاتب فلسطيني