لم تهدأ العاصفة التي أثارتها شهادة رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت أمام لجنة الفحص الحكومية في إخفاقات الحرب على لبنان لجنة فينوغراد، بل استفزت مسؤولين عسكريين كبارا احتجوا على تحميل الجيش وحده وزر الفشل في الحرب، فيما رأى نواب من اليمين الإسرائيلي وجوب أن يحذو اولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس حذو رئيس هيئة أركان الجيش وقائد المنطقة الشمالية خلال الحرب الجنرال دان حالوتس والبريغادير اودي آدم اللذين استقالا إقراراً بفشلهما. وتحدثت وسائل الإعلام العبرية عن صدمة في أوساط هيئة أركان الجيش من تحميل اولمرت الجيش مسؤولية الفشل. ونقلت صحيفة"هآرتس"في عنوانها الرئيس أمس عن ضباط كبار استهجانهم ادعاء اولمرت أنه خطط للحرب على لبنان قبل أربعة أشهر من وقوعها. وقال أحدهم إنه إذا صحت أقوال اولمرت فإن"ذلك يعني ان إخفاقات الحرب أفدح بكثير مما اعتقدنا حتى الآن". واضاف آخرون إن رئيس الحكومة يفسّر بشكل خاطئ ومبالَغ فيه المناقشات التي تمت مع الأجهزة الأمنية قبل الحرب. وقال أحد الضباط انه إذا كان اولمرت أعطى تعليماته حقاً بشن حرب في حال خطف"حزب الله"جنودا إسرائيليين، كان على لجنة"فينوغراد"أن تسأله عما قام به ليكون الجيش مستعدا لحرب كهذه، ولماذا لم يأمر بتسريع الإعداد للحرب، وكيف حصل ان الجيش ضُبط غير جاهز في 12 تموز يوليو حين خُطف الجنديان، لتنفيذ الخطط العملانية في لبنان؟. إلى ذلك، أقر ضباط آخرون ان اولمرت صادق حقا في آذار مارس على رد عسكري صارم على أي استفزاز يقوم به"حزب الله". وأضافت"هآرتس"انه في جلسة المناقشات الأمنية في آذار العام الماضي، أكد وزير الدفاع في حينه شاؤول موفاز ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين ان على إسرائيل أن تغير طابع ردها العسكري على استفزازات"حزب الله". في غضون ذلك، أثار خبر عن احتمال ألا يشمل تقرير"لجنة فينوغراد"المرحلي المتوقع بعد أسبوعين استنتاجات شخصية ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع، استهجان أوساط سياسية وشعبية واسعة، خصوصا تلك التي تطالب قطبي الحكومة بالاستقالة وتعوّل على التقرير المرحلي ليسرّع فيها. وقال النائب اليميني ايفي ايتام إنه يجب عدم انتظار نتائج تحقيقات اللجنة،"وهذا ما فعله حالوتس وآدم عندما قدما استقالتيهما". وقال إنه من غير المعقول أن يتحمل قادة الجيش دون سواهم مسؤولية الفشل في الحرب وأن تكون اللجنة التي عينتها الحكومة لجنة اقتصاص من المستوى العسكري ولجنة"مسح جوخ"للمستوى السياسي الذي لم يكن لديه أدنى تصور في شأن كيفية إدارة الحرب. ووصف محاولة إلقاء المسؤولية عن كل الإخفاقات على أكتاف الجيش ب"السخيفة"، وقال إن تأكيد اولمرت على ان قرار الحرب لم يكن ارتجاليا، يحمّله مسؤولية مضاعفة"لأنه إذا كان فعلا استعد للحرب وهذه كانت نتيجتها، فعليه إخلاء كرسيه فورا". من جهتهم، هدد ذوو الجنود الذين قتلوا في الحرب الأخيرة بتصعيد نشاطاتهم الاحتجاجية ضد الحكومة في حال خلا تقرير لجنة التحقيق المرحلي من استنتاجات شخصية. وكانت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أوردت نبأ جاء فيه أن أعضاء لجنة فينوغراد سيصدرون في 27 الجاري تقريرا مرحليا يتعرض إلى اداء الدوائر المختلفة في الفترة الواقعة بين الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان عام 2000 وصيف العام 2006 عند بدء الحرب. وأضافت ان التقرير لن يعرض إلى مسؤولية أقطاب الحكومة والجيش ولن يتضمن انتقادات لأداء رئيس الحكومة ووزير الدفاع وغيرهما، على أن يشمل التقرير النهائي المتوقع إصداره في تموز يوليو استنتاجات شخصية ضد صناع القرار السياسي والعسكري. من جهته، أقر نائب رئيس هيئة أركان الجيش البريغادير موشيه كابلينسكي بأن الجيش الإسرائيلي وقع في أخطاء كثيرة خلال الحرب على لبنان"سواء في تقديراته أو في كيفية اداء المهمات الملقاة عليه". وأضاف ان مشاكل مختلفة طفت على السطح في إدارة الحرب، واصفا الخطوات التي اتخذت بأنها غير كافية لتحقيق انتصار في ساحة المعركة. وتابع في أول حديث صحافي لصحيفة"معاريف" بعد انتهاء الحرب ان ثمة شعورا يراوده بتفويت فرصة تحقيق مكاسب خلال الحرب، وقال:"ما هكذا كان ينبغي أن تدار المعركة، بل كان ممكنا أن نؤدي أفضل مما كان". وأضاف ان عدم تحقيق الأهداف المنشودة لا علاقة له ب"لعنة لبنان... إنما بسبب مشاكل مهنية اعترضت طريقنا". وزاد ان مرد هذا الشعور ليس اداء الجنود العاديين"إنما المستويات العليا والطريقة التي أدرنا بها الأمور". وتابع:"كلنا أخطأ... أخطأنا لأسباب مهنية بحتة ظهرت في بداية الحرب، علماً ان القرارات نبعت في الأساس من الرغبة في تفادي وقوع إصابات عديدة في صفوف الجنود، ما راكم صعوبات أمام تحقيق الأهداف المرجوة". وعاد كابلينسكي سنوات إلى الوراء ليبرر إخفاقات الحرب الأخيرة، وقال:"أعتقد اننا لم نبلور جيداً الواقع الناشئ فور الانسحاب من لبنان عام 2000 ومررنا مرور الكرام على خطف الجنود الثلاثة في خريف ذلك العام بدلا من إعادة صوغ قواعد اللعبة... كان علينا الرد بكثافة وبصرامة". ورأى ان التحدي الرئيس أمام القيادة العسكرية يتمثل في إعادة الجيش إلى ما كان عليه سابقا من"شعور بالاعتزاز والافتخار بقدراته ومؤهلاته والانتماء، خصوصا بعد أن تحول إلى كيس ملاكمة يتلقى الضربات المتتالية من كل الاتجاهات".