"لعنة لبنان" ضربت اسرائيل مجدداً. ومنذ زمن لم يعد لاسرائيل ما تفعله في جنوبلبنان سوى ان تنسحب. وفي انتظار ان تقرر ذلك وتقدم عليه لا مناص من دفع ثمن الاحتلال، ضباطاً وجنوداً ومدنيين وعملاء محليين وتكاليف أخرى لم تعد مجدية لأن الاحتلال نفسه فقد أي وظيفة أمنية نسبت إليه. ها هو بنيامين نتانياهو يجد نفسه أمام المأزق الذي اصطدم به شمعون بيريز عام 96، وفي ظروف انتخابية مشابهة. ارتكب بيريز "عناقيد الغضب"، وفيها مجزرة قانا الرهيبة، ومع ذلك خسر الانتخابات. ماذا سيفعل نتانياهو، وهو الذي كان يبحث بدأب عن فرصة لعمل عسكري ما يستغله في معركته الانتخابية الصعبة؟ هل يرد على طريقة بيريز؟ بات معروفاً ان الدخول الى لبنان ليس كالخروج منه. في أي حال، اذا فضل نتانياهو ان لا يرد على عملية المقاومة اللبنانية أمس، فإنه سيخسر. وإذا رد وفي رأسه هاجس "اللعنة" إياها فإنه سيخسر أيضاً. لكن أي رئيس وزراء اسرائيلي لا يمكنه عشية الانتخابات ان يتحلى بمزايا "ضبط النفس" العزيزة على الأميركيين. اذاً، سيميل نتانياهو أولاً الى خيار الرد مع توظيف هذا الرد ليربح الانتخابات. انها فرصة. ولعله سيميل في تحليله الى أن هناك من يمنحه هذه الفرصة لينتهزها. بمعزل عن الحسابات الانتخابية، لم يكن في امكان اسرائيل ان تتوقع ضم بلدة ارنون من دون حساب. ففي الوقت الذي تحدثت عن "مبادرات" للانسحاب من جنوبلبنان، اقدمت على عمل لا يفهم منه سوى السعي الى ترسيخ الاحتلال وتعزيزه. ولم يستطع الاحتلال الاسرائيلي لجنوبلبنان يوماً ان يصطنع لنفسه منطقاً مقبولاً أو مفهوماً أو متغاضى عنه دولياً، لا أمنياً ولا سياسياً. لذلك لم تتمكن حكومات اسرائيل من تبرير خسائرها أمام الاسرائيليين قبل سواهم. وبالطبع لم يساعد النقاش المستديم حول مكاسب الانسحاب وخسائره في انتاج أي قرار، على رغم الاقتناع السائد بوجوب الخروج من الفخ اللبناني. فالنقاش ظل محكوماً ب "ثوابت" منبثقة أصلاً من الطموحات التوسعية، ولا تزال لاحتلال أي أرض عربية شعبية كبيرة. وفي ظل "ثوابت" كهذه تصعب بلورة خيار واضح وصريح بالانسحاب، لذا تُعطى أفضلية للتحايل، أي لانسحاب يبقي لاسرائيل ما يشبه "حق النظر" على الوضع بعد انسحابها. وهو ما تسميه "ترتيبات أمنية". كان ملفتاً في اليومين الأخيرين ان نتانياهو ووزير دفاعه موشي ارينز شددا، الأول بعد العملية والثاني قبلها، على دور سورية في ادارة عمل المقاومة اللبنانية. والملفت أكثر ان التصعيد في الجنوب ضم ارنون، ومقتل الضباط... يترافق مع تأكيدات من هنا وهناك ان المسار السوري في عملية السلام سينطلق بعد الانتخابات الاسرائيلية مباشرة. هذا ما أشار اليه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية مارتن انديك. لماذا التصعيد اذاً؟ ولماذا ضمت اسرائيل بلدة ارنون في هذا الظرف تحديداً اذا كان احياء المسار السوري على أجندتها؟ انها الانتخابات، على الأرجح، زيّنت لنتانياهو إمكان الاقدام على خطوة ليكودية خالصة فأعطى الأمر بضم ارنون. لكن دمشق لم تستحسن هذه الرسالة فكان ما كان. لعل واشنطن تنصح حليفتها بالاكتفاء بتقديم شكوى الى لجنة "تفاهم نيسان" كما سبق ان نصحت لبنان.