"طالما ظل هناك احتلال ستبقى الأنفاق، وكلما زاد الحصار سيزداد عددها"، هكذا لخص أحد الفلسطينيين المقيمين في رفح المصرية مسألة الأنفاق، مشيراً الى أن حفرها أصبح تجارة وصناعة ولم يعد الأمر مقتصرا على بضعة أمتار قليلة تُحفر لمسافة صغيرة لا تتجاوز 400 أو 500 متر على أقصى تقدير بل تضاعفت المسافة ووصلت إلى 1400 متر وبعمق يصل إلى 30 و40 متراً تحت الأرض. وتقول مصادر أمنية مصرية إن الأنفاق أصبحت تجارة رابحة تماماً، ولم تعد كما كانت في السابق تستخدم فقط في دعم الفلسطينيين وإنما أصبحت تستخدم في توصيل السلاح إلى الفلسطينيين الذين يستخدمونه في الاقتتال الداخلي. وتشير المصادر نفسها إلى أن النفق الذي تصل كلفته إلى عشرين ألف دولار قد يدر ربحا يصل الى أضعاف هذا المبلغ خلال فترة تشغيله. إلا أن هناك أنفاقاً تكتشف قبل أن تبدأ في العمل، سواء من الجانب المصري أو الجانب الآخر. وكانت السلطات المصرية اكتشفت أخيراً نفقاً وألقت القبض على أحد عناصر تنظيم"الجهاد"وفي حوزته حزام ناسف، والذي أبلغ عن النفق وهو مصطفى سعد الجبور 25 عاماً شقيق مسؤول الارتباط الفلسطيني في معبر رفح هاني الجبور ويعمل في إدارة المعبر نفسه، تعرض لإطلاق نار وأصيب بكسر في ساقه، بسبب بلاغه، ما يشير إلى أن مسألة الأنفاق نفسها لم تعد محل إجماع، على ما كان عليه الوضع أثناء الانتفاضة. وسبق ان اتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق آرييل شارون الجانب المصري بتسهيل حفر الأنفاق، وفي حين قال الرئيس المصري"إذا كانت الأنفاق لها فتحتان فاغلقوا الفتحة التي لديكم". لكن حادثة عنصر"الجهاد"الذي ضبط وفي حوزته حزام ناسف وضعت المصريين في حرج، وبعد أن كانت الأنفاق مشكلة للإسرائيليين، أصبحت تسبب صداعاً للمصريين. ويرى السفير المصري السابق في تل أبيب محمد بسيوني، وهو رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى أن مصر ليست محرجة في مسألة الأنفاق خصوصاً أن إسرائيل عندما كانت موجودة في غزة لم تكن تستطيع السيطرة عليها أو اكتشافها وهي تتهم مصر بين حين وآخر للتغطية على أمور أخرى. ويؤكد بسيوني أن مصر"حريصة على سيادتها، فالنفق يمكن أن يستخدم لتهريب البشر والمخدرات والأسلحة، ونحن ضد الأنفاق لأنها ليست الطريق الشرعي للعبور بين الجانبين، وإذا كانت إسرائيل لم تستطع أن تسيطر عليها، ولديها ما لديها من تقنيات، فكيف تطلب من مصر السيطرة على الأنفاق، خصوصاً أنه ليست هناك خارطة لها". ويقول أستاذ الأمن القومي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتور عبد المنعم المشاط إنه كان على الدولة المصرية"تأييد الأنفاق أيام الانتفاضة، لأنها كانت تمثل أنبوب الهواء الوحيد لدى الفلسطينيين الذين يتنفسون من خلاله ولا يزال، خصوصاً أن معبر رفح لا يفتح بصوره مستمرة". ويضيف:"لكن الوضع اختلف، الأنفاق الآن مشكلة للمصريين خصوصاً مع التخوف من حدوث عمليات إرهابية على أرضهم، فالأنفاق مفتوحة من الجانبين وهناك المزيد منها ليس تحت السيطرة، وأصبحت الظروف العامة مختلفة عن الوضع أيام الانتفاضة، وإضافة إلى حماس جعل مصر تعيد النظر في بعض حساباتها". ولا يخفي المصريون، على المستوى الرسمي، تخوفهم من أن تتحول سيناء إلى ساحة معركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبحسب مصادر أمنية، إن مصر لن تقبل بأي شكل من الأشكال أن يكون أي جزء من أراضيها ساحة للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يؤكده أيضا السفير بسيوني، مشدداً أن مصر ستضرب بيد من حديد للحفاظ على أمنها القومي. عندما كانت إسرائيل تكتشف نفقاً من الأنفاق كانت تستخدم كتلاً أسمنتية لسد مدخله، وكان الفلسطينيون يقومون بالحفر على بعد أمتار قليلة من الفتحة التي أغلقت، ثم يصبح النفق جاهزاً للاستخدام مرة أخرى. لكن المصريين ومع خبرتهم في التعامل مع الرمال منذ حرب تشرين أكتوبر 1973 وإسقاط الساتر الترابي، فهم يقومون بإمداد خرطوم من المياه المثقوب إلى مسافة كبيرة داخل النفق ثم يشغلون المياه فينهار النفق بأكمله ثم يتم سحب الخرطوم مرة أخرى. وكانت إسرائيل تبنت مشروعاً بخصوص شق قناة مائية على طول الشريط الحدودي المعروف إسرائيلياً بپ"محور فيلادلفيا"أو ممر صلاح الدين الفاصل بين قطاع غزةوسيناء المصرية، وذلك لإغراق الأنفاق القائمة تحت الأرض ومنع شق أنفاق أخرى لتهريب الأسلحة والبضائع والبشر عبرها. ويجري الحديث عن حفر قناة مائية مفتوحة، بعرض يزيد على 200 متر وعمق 50 متراً، يتم تحويلها من مياه البحر المتوسط الى عمق الصحراء على طول الحدود. وبحسب"يديعوت احرونوت"، فإن المشروع طرحته إسرائيل قبل سنتين، لكن مصر لم تتحمس له، خوفاً من أن يؤدي إلى تدمير مئات البيوت السكنية في بلدة رفح المصرية. ويرى السفير بسيوني أن مسألة حفر قناة تواجه تحفظات عدة أولها مكان حفرها، فمسألة حفرها داخل الحدود المصرية مرفوضة تماماً، ومصر لا تقبل بأي مساس بسيادتها على أراضيها، وقال"فليحفروا ما يريدون خارج الحدود المصرية ويمكنهم إقامة جدار عازل". وترى مصادر أمنية أن حفر القناة مرفوض للضرر الذي ستلحقه بأهالي رفح وصعوبة تعويضهم عن الأراضي المصادرة، إضافة إلى التأثير السلبي لحفر القناة على المياه الجوفية خصوصاً أنها المصدر الوحيد للمياه الصالحة للزراعة. ويرى المشاط أن الحل يتلخص في إنهاء الاحتلال فهو السبب وراء كل المشاكل سواء للمصريين أو للمنطقة.