لا يكاد ينكر أحد بعد أن الحرب الاهلية تستشري في العراق. وشأن حال المستعمرات السابقة، غداة استقلال حكوماتها ومؤسساتها السياسية الضعيفة، والتي نهشتها الاضطرابات وصدعتها الحروب الاهلية الطويلة، يستحيل ارساء نظام ديموقراطي مستقر ومسالم في العراق، على ما تشتهي واشنطن. وقد تسهم زيادة عديد القوات الاميركية ببغداد في تراجع معدلات العنف، وتمهد، تالياً، لاقتسام توزيع السلطة بين الجماعات العراقية. ولكن هذا التوزيع لن يكون نهاية مطاف الحرب، ولن يؤذن ببلوغ العراق بر الامان. فالعنف قد ينفجر مجدداً، اعتراضاً على تقسيم السلطة الجديد. وغالباً ما يلزم التيارات المتحاربة أعوام طويلة لبلورة موازين القوى بينها. وجليّ ان الحكومة العراقية الضعيفة هي طرف في عمليات التطهير الأهلي المحتدمة بين سنّة العرب وشيعتهم بالعراق. ولا تصب مساندة الرئيس جورج بوش هذه الحكومة العراقية في مصلحة أميركا على المدى الطويل، ولا تخدم الاستقرار الاقليمي. فهذه المساندة غير المشروطة مطعون في أخلاقيتها. وتبدو واشنطن حليفة طهران بسبب مساندتها الشيعة، وهم الغالبية الحاكمة، ضد سنّة العراق والانظمة العربية السنّية. ومن شأن مساندة الولاياتالمتحدة أي طرف عراقي تقويض نفوذها في هذا البلد. وحريّ بها سحب قواتها من بغداد، ولعب دور أكبر في موازنة الادوار بين الأطراف المتنازعة، وفي حين العراقيين على انشاء حكومة تمثل الاكراد والسنة والشيعة تمثيلاً عادلاً، وفي الحؤول دون انتهاك الجيش العراقي حقوق الانسان. والحرب الاهلية العراقية من أكثر الحروب دموية. وهي تحل المرتبة التاسعة على جدول الحروب الاهلية، وعددها 125 حرباً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فعدد ضحاياها بلغ نحو ستين ألفاً في العام المنصرم. ومن الصعب إنهاء هذا الضرب من الحروب قبل عشرة أعوام من اندلاعها. وعلى خلاف الحرب الاهلية الاميركية، وفيها تواجه جيشان نظاميان، غالباً ما تخوض هذه الحروب جماعات متمردة تنتهج استراتيجيات حرب العصابات. وتقيد صلات القادة السياسيين بالجماعات المسلحة المتنازعة الحكومة المنتخبة ديموقراطياً، وتحول دون نجاحها في إنهاء العنف، على ما حصل في تركيا بين 1977 و1980. وقد يطيح انقلاب عسكري الحكومة الحالية، إذا سرَّعت واشنطن سحب قواتها من العراق. وعلى خلاف الجيش التركي، ليس الجيش العراقي بمنأى من نزاعات الجماعات العراقية، ولا مستقلاًُ عنها. والحرب العراقية تشبه الفصل الاول من الحرب الاهلية اللبنانية في 1975 و1976، فالسلطة السياسية قد تنكفئ، وتنقسم، غداة تقويض نفوذها وقصره على منطقة، أو مدينة، او حي صغير. ومن المتوقع أن تخلف مرحلة تطهير عرقي استقرار خطوط تماس، أو جهات أهلية ومذهبية، بين المتقاتلين، وأن ترسي توازن قوى هشاً، وأن يزيد عدد جولات القتال الطائفي المتقطعة. ومن المتوقع، كذلك، أن تتفاقم النزاعات في صلب الطائفة الواحدة. فالميليشيات في المعسكر الواحد، ضالعة في التطهير العرقي، وتتنازع على بسط سيطرتها على منطقة نفوذها، وعلى جباية الخوات والسرقة والتجارة وحماية الناس مقابل المال. ولا شك في أن دول الجوار العراقي تتدخل في الحرب الاهلية. ولكن هذه الدول لن تجني سوى المتاعب عوض المكاسب الاستراتيجية. وغالباً ما تنتهي الحروب الاهلية بانتصار طرف على طرف آخر، وتمنى اتفاقات تقاسم السلطة بين المنتصر والمهزوم بالفشل. فاتفاق تقاسم السلطة بين الهوتو والتوتسي كان شرارة اندلاع اعمال التطهير العرقي برواندا في 1994. وتغذي الحرب الاهلية رعب الاطراف المتنازعة من سيطرة طرف على السلطة، أو الجيش، او المدينة. ولا تكتب الحياة لاتفاق تقاسم السلطة ما لم يمتحن المتحاربون قوة الطرف الآخر، وما لم يدركوا أن العنف غير مجد، ولا يحقق مآربهم، على ما حصل في حرب البوسنة. وقد ينهار مثل هذا الاتفاق في حال لم تكن الاحزاب او الميليشيات الموقعة عليه متماسكة وموحدة. فكيف يلتزم حزب بالاتفاق في حال كان منقسماً على ذاته؟ وعليه، لا تلوح امارات انتهاء الحرب الاهلية بالعراق. فالجماعات المسلحة السنّية تزعم أنها قادرة على استعادة السيطرة على بغداد بعد انسحاب القوات الاميركية، في حين يرغب معظم المسلحين الشيعة في بسط سيطرتهم السياسية على العراق. فمقتدى الصدر يتحين الفرص للسطو على بقية الجماعات الشيعية فور رحيل الاميركيين. ولا شك في أن الشيعة، شأن السنّة، منقسمون سياسياً و"ميليشوياً"ومناطقياً. عن جيمس فيرون استاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد ، "فورين أفيرز" الاميركية، 3 - 4 / 2007