تأرجح العراق، في الاعوام الثلاثة الماضية، على شفا الحرب الاهلية أكثر من مرة... غير أنه، في الايام الثلاثة الماضية ومنذ تفجير مزار مقدس لدى الشيعة الاربعاء، فان التهديد بنشوب حرب أهلية بات أقرب الى الواقع. وفي ظل استهداف المسلحين للشيعة ورد الميليشيات الغاضبة على ذلك فان التهديد بتفجير صراع مذهبي شامل أصبح حقيقياً للغاية الآن. في الوقت نفسه فإن العلاقات بين الفصائل الشيعية آخذة في التوتر بشكل متزايد مع حدوث اشتباكات عرضية في الشهور الاخيرة في ما بينها ما يزيد من مخاطر حدوث حالة من الفوضى الشاملة المنفلتة يقول محللون انها"يمكن أن تكون أسوأ من حرب أهلية صريحة". وقال توبي دودج، الخبير في شؤون العراق بجامعة كوين ماري في لندن،"هذا لا يتشكل لان يكون مجرد حرب أهلية... انه أسوأ من ذلك انها حرب الجميع ضد الجميع". وأضاف:"ما لدينا هو حالة من الفراغ الامني سمح بصعود قوى مختلفة تقاتل بعضها بعضا من أجل السيطرة... انها أكثر تمزقاً من الحرب الاهلية". ويمكن ان تتفاقم الخصومات المسلحة بين الميليشيات الشيعية الممثلة في منظمة بدر، الموالية لايران والتابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وجيش المهدي الموالي لرجل الدين الشاب مقتدى الصدر المناهض للولايات المتحدة. وحتى الآن يقف الصدر وعبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق معاً من الناحية الرسمية عقب الهجوم الذي دمر القبة الذهبية لمزار مدينة سامراء الذي يحتمل أن يكون نفذ على يد مسلحين متطرفين. غير أن"منظمة بدر"و"جيش المهدي"اشتبكا في مدن الجنوب، ذي الاغلبية الشيعية، في الماضي كما أن وجهات نظرهما المتباينة في شأن مستقبل العراق تهدد باستمرار بالانفجار والتحول الى صراع مفتوح. وفي الوقت نفسه فإن الميليشيات الشيعية وقوات الامن العراقية المختلطة بين الشيعة والسنة تواجه تهديدات من عدد من الجماعات المسلحة التي تشمل قوميين وبعثيين موالين للرئيس المخلوع صدام حسين ومتشددين اسلاميين بعضهم من الاجانب. وتعد المخاطر من أن يؤدي انهيار السلطة الى نشوب حرب شاملة أكبر في بغداد والبلدات المجاورة لها التي يسكنها خليط من السنة والشيعة والاكراد. وشهدت تلك المناطق بالفعل عمليات طرد لسنة وشيعة من ضواحي أو بلدات بأكملها في عملية تستدعي الى الذاكرة عمليات التطهير العراقي في يوغوسلافيا السابقة خلال حرب البلقان. ففي حي الدورة الذي يسكنه سنة وشيعة أعادت أعمال القتل المتبادلة بين السنة والشيعة العام الماضي رسم الحدود لدرجة أن السكان يتم حالياً توقيفهم ويعرفون بناء على انتمائهم الطائفي وهو الشيء الذي كان غريباً على العراقيين قبل عامين فقط. وفي حال اندلاع حرب شاملة فان مدن بغداد وبعقوبة وكركوك والموصل التي يسكنها مزيج كبير من السنة والشيعة والاكراد يمكن أن تمنى بأسوأ العواقب. ويمكن أن ينتهي الأمر ببغداد، بعدد سكانها الهائل، بوضع يشبه بيروت التي كانت مركز الحرب الاهلية اللبنانية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أو سراييفو أو أي شيء أسوأ منهما. وقال دودج"اذا نظرت الى بغداد... سيكون من الصعب تطهيرها من أحد مكونات تركيبتها السكانية اما اذا حاولت تقسيمها... فان ذلك سيجعل سراييفو بالنسبة إليها كحفل شاي". والكثير معلق الآن على كيفية عمل القوات المسلحة في العراق. ويهيمن الشيعة على الجيش وهو ما يرجع الى عودتهم للظهور عقب إطاحة صدام حسين. لكن هناك أيضا عرباً سنة وأكراداً يتولون قيادات ومناصب. وقال مارتن نافياس الباحث في مركز دراسات الدفاع في كلية"كينغز"في لندن"هل سيحافظ الجيش على شكله أم سينفجر داخلياً؟". وأضاف:"يمكن أن يتفكك تماماً وفي حال حدوث ذلك سنواجه مشكلة عصيبة للغاية. الايام القليلة المقبلة حاسمة". ويعد دور القوات الأجنبية في العراق، التي تقودها الولاياتالمتحدة البالغ عددها 160 ألفاً، حاسماً ايضاً. وقام الجيش الاميركي بأعمال الدورية في شوارع بغداد الجمعة ليحافظ على السلم في ظل حظر التجول غير أنه يحاول في الوقت نفسه عدم الظهور بشكل كبير لتجنب اثارة مزيد من العنف. ووجود القوات الاميركية سلاح ذو حدين حيث أنه يُسهم، من ناحية، في كبح جماح اندلاع صراع أوسع نطاقاً غير انه، من ناحية أخرى، يسهم في تفاقم العنف المناهض للولايات المتحدة. ويمكن أن تشجع الحرب الاهلية الاكراد على الانفصال بمناطقهم الشمالية التي تحظى بالفعل حالياً بحكم ذاتي واسع كما أنها معزولة نسبياً عن العنف الذي أصاب أنحاء العراق منذ العام 2003. كما أن انهيار السلطة المركزية يمكن أن يغري الاكراد بالسيطرة على مدينة كركوك المتنازع عليها بحقولها النفطية الهائلة على رغم أن مثل تلك الخطوة يمكن أن تجعل الاكراد، الذين يعيشون في بغداد وغيرها من المدن، عرضة لانتقام العرب. ويمكن لأي محاولة من جانب الاكراد للانفصال ان تُشجع ايضا الشيعة على الانفصال بالجنوب الغني بالنفط وهو ما يترك السنة بمساحات شاسعة من الأرض القاحلة وسط العراق بينما يتقاتل الجميع حول بغداد. وقال حازم النعيمي، استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية،"القضية تتوقف على الايام القليلة المقبلة". فاما أن تنفتح أبواب الجحيم عن حرب أهلية أو يتولى الشيعة مزيداً من السلطة بحجة أن الزعماء السنة غير قادرين على كبح الانشطة الارهابية المتزايدة". وأضاف:"الجيش الاميركي هو الذي يحول دون نشوب الحرب في بعض المناطق. وفي مدن مثل الموصل سيتم طرد الشرطة خلال أيام اذا غادرها الجيش الاميركي وسيكون هناك تطهير عرقي". والرهانات كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الحريصة على انجاح العملية السياسية حتى يمكنها سحب قواتها. لكن ذلك يعتمد أيضاً على ما اذا كانت القوات العراقية جاهزة لتولي السيطرة. ويشكو العرب السنة منذ شهور من أن وزارة الداخلية تدير أو على الاقل تغض الطرف عن فرق اعدام تعمل داخل صفوفها وتستهدف السنة. وتنفي الوزارة التغاضي عن وجود تلك الفرق. ويقول السنة أيضاً ان السجون مكتظة برجالهم بينما تقول الحكومة، التي يقودها الشيعة، ان هؤلاء المعتقلين ينتمون الى المسلحين الذين أشاعوا الدمار في العراق منذ الحرب التي أطاحت بالرئيس صدام حسين. وعمليات القتل الانتقامي المتبادل شائعة بالفعل، كما يبدو ان المسؤولين يمثلون جماعاتهم الطائفية أو العرقية وليس الامة بأسرها. وانسحبت الكتلة العربية السنية الرئيسية الخميس من المحادثات الرامية الى تشكيل حكومة جديدة بعدما أنحت باللائمة على الائتلاف العراقي الموحد الحاكم في الفشل في حماية السنة. لكن عباس البياتي، المسؤول في الائتلاف العراقي الموحد وعضو البرلمان الجديد، أعرب عن تفاؤله وتوقع أن تجبر أعمال العنف جميع الاطراف في النهاية على تجاوز انقساماتهم الطائفية والمضي قدماً في تشكيل الحكومة للحيلولة دون زيادة تدهور الاوضاع. والطوائف العراقية منقسمة حتى في ما بينها. وشارك بعض السنة في اجتماع طارئ استضافه الرئيس جلال طالباني الخميس فيما هدد آخرون بمقاطعة العملية السياسية برمتها كما فعلوا في الانتخابات الموقتة العام الماضي. ولم تتمكن الكتلة الشيعية من الاتفاق على مرشحها لمنصب رئيس الوزراء وانتهى بها الامر الى ترشيح رئيس الوزراء الموقت المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري بعد تصويت فاز خلاله بفارق صوت واحد. وبرز رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر، الذي يقود ميليشيا استعرضت عضلاتها في الشوارع خلال أعمال العنف الاخيرة، كصانع للشخصيات السياسية داخل الائتلاف العراقي الموحد. كما يضع الاكراد نصب أعينهم مدينة كركوك الغنية بالنفط التي يريدونها عاصمة لمنطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي وهو ما يعارضه بشدة العرب والتركمان في المدينة.