لم يكن المشهد في بغداد وهي تتعرض لقصف الطائرات والصواريخ الاميركية في مثل هذه الايام عام 2003 ينبئ بتقسيمها على أساس مذهبي. لكن عمليات التهجير المنظمة خلفت ما يشبه الكانتونات وانتهت بحرب معلنة بين مسلحين يدّعون تمثيل الطائفتين السنية والشيعية، سقط جراءها عشرات الآلاف وأسفرت عن نزوح 760 ألفاً خلال عام واحد. وعلى رغم اطلاق القوات الأميركية والعراقية حملة عسكرية لوضع حد لعمليات القتل والخطف، منذ أكثر من شهر، ما زالت خطوط التماس قائمة في العاصمة العراقية، وما زالت السيارات المفخخة تفجر في أحيائها حاصدة عشرات الضحايا يومياً. لكن الحكومة استطاعت إحداث اختراق أمني مهم من خلال تحالف بعض العشائر معها وخاضت قواتها بالتعاون معها أمس معارك ضارية ضد تنظيم"القاعدة"قال العميد عبدالكريم خلف إن"39 ارهابيا قتلوا واعتقل سبعة آخرون خلالها، بينهم عرب في منطقة عامرية الفلوجة"40 كلم جنوب غربي الفلوجة. وأوضح خلف ان"الاشتباكات اندلعت بين قوات الأمن وعشائر منطقة العامرية من جهة وعناصر ارهابية ترتبط بما يسمى دولة العراق الاسلامية من جهة اخرى"، مؤكداً"عدم مشاركة الجيش الاميركي في المواجهات". وأكد"مقتل المدعو شاكر هادي جاسم عراقي الذي يدعي بأنه وزير الحربية ومحمد خميس حمادي عراقي الذي يدعي بأنه وزير النفط في الدولة". بدوره أكد احمد الدليمي، مدير مكتب محافظ الأنبار حصيلة المواجهات والاعتقالات مشيراً الى"استشهاد 17 شخصا بينهم ستة من الشرطة و11 من ابناء عشائر الانبار خلال الاشتباكات". وكان الجيش الاميركي أعلن السبت ان ثلاثة صهاريج تنقل غاز الكلور انفجرت وسط ارتال من السيارات وتجمعات للمدنيين في الانبار الجمعة، اثنين منها في عامرية الفلوجة، ما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل واصابة 350 آخرين بأعراض تسمم. الى ذلك اعلنت المفوضية العليا للاجئين في جنيف ان 730 ألف عراقي نزحوا من منازلهم منذ بداية 2006 وانهم يواجهون صعوبات متزايدة داخل بلادهم. وقال الناطق باسم المفوضية رون ادموند ان معظم النازحين عالقون الآن في مناطق تشهد نزاعات. واضاف"ان الحصول على مساعدة او ملجأ في الدول المجاورة بات مستحيلا". وقال ان"كثيرين من الذين فروا الى مناطق أخرى في العراق باتوا من دون مورد وعلى المجتمعات التي تستقبلهم ان تجهد لاستيعابهم". وأكدت المفوضية ان اكثر من خمسين ألف عراقي يغادرون منازلهم كل شهر. ويعيش اربعة ملايين عراقي علىالمساعدات الغذائية بينما يعاني 23 في المئة من سوء التغذية. وهناك مليونان لجأوا الى الدول. ومعظم النازحين الجدد من بغداد، حيث تمتد خطوط التماس بين المقاتلين لتشكل خريطة جديدة تطلبت نحو أربعة أعوام لتحول بعض أهم الشوارع الى"أرض حرام"يتبادل فيها المسلحون والميليشيات عمليات القتل والتهجير والقصف المدفعي. ومن خطوط"التماس"الشارع العام الذي يفصل بين حي ابو دشير"الشيعي"وحي الصحة"السني"في منطقة الدورة، وشارع آخر بمنازل مهجورة يفصل حي"الحرية"الشيعي و"العدل"السني غرباً، وجسر يقطع حبل المودة بين الاعظمية السنية والكاظمية الشيعية شمالاً، بالاضافة الى تحول شوارع مثل"الربيع"و"فلسطين"و"المنصور"و"الطريق الدولي"الى خطوط تماس لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. في شمال بغداد يفصل عدد من المنازل المهجورة منطقتي"الحرية"الشيعية و"العدل"السنية، ويذكر الاهالي ان"عملية تبادل للمنازل حصلت في المنطقتين". وفي الكرخ ايضاً يفصل منطقة الشعلة التي تسيطر عليها الميليشيات الشيعية عن منطقة الغزالية التي ينتشر فيها مسلحون سنة ساحات وطرق ترابية تشهد مواجهات باستمرار. ويلاحظ الأهالي في جانب الكرخ ان عمليات الفرز المذهبي والاقتتال الطائفي تزداد وتيرتها في أحيائهم على رغم الخطط الأمنية التي وعدت بإنهاء العنف. وأكد اللواء عباس عزيز قائد عمليات الكرخ ل"الحياة"ان"تهجير العائلات حوّل الأحياء الى أوكار للجماعات التكفيرية". وأضاف ان"الخطوة التالية من خطة فرض القانون ستنطلق في هذا الجانب وتحديداً في الاحياء الساخنة وقوات البيشمركه ستضطلع بهذه المهمة". لكن خطوط التماس كما يبدو لا تقتصر على جانب الكرخ في بغداد حيث الأكثرية السنية، ففي الرصافة يفصل شارع تراثي افتتحه قبل نحو 50 عاماً ملك العراق الثاني غازي بن فيصل بين منطقتي ابو سيفين الشيعية والفضل السنية، فيما لا يزال طريق محمد القاسم السريع يفصل أحياء سنية مثل الاعظمية والصليخ عن احياء شيعية مثل القاهرة والوزيرية.