تنتظر الشاحنات خمسة أيام أمام مصنع الإسمنت للحصول على حصتها في عمان، والنهضة العمرانية الكبيرة في حاجة لمواد خام تغذي هذه العجلة المتسارعة. ويؤثر ارتفاع الأسعار على مجموعة من الناس وجدوا أنفسهم يدفعون فاتورة مرتفعة نظراً الى النقص في الإسمنت. ووجد المواطن البسيط نفسه أمام تحديات تتعاظم مع مرور الأيام، وبات حلمه في تشييد بيت مكلفاً، إذ فاقت كلفة بناء المنزل 30 ألف ريال عُماني، بعدما كانت 20 ألفاً قبل ثلاث سنوات، كما تضاعفت كلفة القروض بسبب فوائدها. وتشير احصاءات الى أن معظم المنازل في عُمان تُبنى من طريق القروض الإسكانية، ما جعل العقارات أشبه بسوق الأسهم ولكن على نحو متناقض. إذ تنخفض قيمة الأسهم، فيما تمضي سوق العقارات بسرعة الى أرقام قياسية، جاعلة الموظفين الذين لم تساعدهم ظروفهم على شراء عقار سكني خاص أو بنائه خلال السنوات الماضية، في مواجهة شبح ارتفاع العقارات. حتى أن الموظف الحكومي صاحب الشهادة الحكومية يعجز عن تغطية قيمة الشقة المكونة من ثلاث غرف في بعض مناطق مسقط. ونفى أصحاب مكاتب العقارات التهمة عن أنفسهم، مشيرين الى أن كلفة بناء العقار ارتفعت، نتيجة ارتفاع سعر"كيس"الإسمنت الذي كان أقل من ريال واحد ليصل الآن الى ريالين، كما ارتفع سعر طن الحديد من 90 ريالاً الى 290 ، كما زادت أتعاب العمال والمهندسين بنسبة كبيرة. واللافت وجود مصنع واحد للاسمنت في مسقط هو"إسمنت عُمان"الذي يغذي أكثر من ثلثي السوق، يضاف اليه مصنع"ريسوت"في محافظة ظفار الف كيلومتر جنوب السلطنة. ويعمل مصنع إسمنت عُمان في منطقة الرسيل الصناعية بقدرته الكاملة، لمنح الشاحنات حمولة تباع مسبقاً ويتقاسمها التجار من باب مجاملة زبائنهم. ورأى التجار ورجال الأعمال العُمانيون الحل في إقامة مصنع آخر، في ضوء عدم توافر الإسمنت للاستيراد، وما تشهده دول المنطقة من نمو عمراني. إلا أن الحكومة ترفض تصاريح إنشاء مصانع محلية جديدة، بحجة عدم وجود الغاز الذي تعمل به ماكينات المصنع الجديد، علماً أن الغاز العُماني بيع بالكامل من اليابان وكوريا الجنوبية، قبل اكتمال مشاريع الغاز المسال في ولاية صور في المنطقة الشرقية. ويبلغ إنتاج شركة"إسمنت عُمان"الآن 4200 طن يومياً، ويتوقع أن يرتفع الى 7200 مع دخول طاحونة جديدة الى المصنع. إلا أن هذه الحلول لن تقضي على المشكلة، وأعاقت ندرة الغاز خطة الشركة لتنفيذ مصنع آخر، وتأجلت خطتها لدرس بدائل أخرى غير الغاز، ومن بينها الفحم الحجري الذي لم يُستخرج بعد في السلطنة ولا بد من استيراده من الخارج عبر ميناء يقبل تفريغ وتخزين ما يقارب 50 ألف طن منه، لينقل1200 طن يومياً في السيارات من الميناء الى المصنع. لكن هذه الخطة اصطدمت بعدم جهوز ميناء السلطان قابوس في مسقط وميناء صحار لاستقبال الفحم. واذا كان الإسمنت يحتاج الى معجزة بطلها الغاز، فان الحديد يوحي بالتفاؤل لتتراجع أسعاره عن مستوياته القياسية، في ضوء المشاريع العمرانية والسياحية والاقتصادية المنفذة الآن في السلطنة. في وقت أشار فيه وزير التجارة والصناعة مقبول بن علي سلطان الى أن غلاء أسعار الصلب والحديد"مشكلة عالمية ولا تقتصر على السلطنة"، مبيناً ان استهلاك الحديد"زاد في شكل كبير". وكلما تزايد النمو في الاقتصاد العالمي زادت الحاجة الى هذه المادة وبالتالي الأسعار. كما ارتفعت كلفة نقل منتجات الحديد من الدول المنتجة الى الدول المستوردة نحو 200 في المئة، مشيراً الى"زيادة الطلب من بعض الدول كالصين وشرق آسيا". وأشار مقبول الى أن صناعة الحديد في السلطنة"حديثة لكنها تنتج كميات كافية، لكن لا بد من أن تزيد أسعار منتجات الحديد عموماً في ظل ارتفاع أسعار الحديد الخام". لكن وزير التجارة متفائل بالنسبة الى النقطة الأساس المتمثلة بتوافر الطاقة لتنفيذ مثل هذه المشاريع، علماً أن السلطنة سمحت بالتملك الأجنبي بنسبة 100 في المئة. وأشارت التوقعات الى"ارتفاع نمو الطلب على الصلب في السلطنة من نحو 8 في المئة إلى 10 في المئة، إذ بلغ حجم الاستهلاك 628 ألف طن عام 2005". كما يتوقع أن يصل حجم الطلب إلى نحو 923 ألف طن عام 2010، وإلى 1.011 ألف طن كسلعة نهائية معدة للبيع، ويصبح الطلب على الصلب الخام بين 1.08 مليون طن وإلى 1.18 مليون.