تكتسب القمة العربية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 28 -29 آذار مارس الجاري أهمية استثنائية، من حيث حساسية وتعقيد الملفات المدرجة على جدول أعمالها ربطاً بواقع النظام الرسمي العربي، ومجرد تصدي السعودية لاستضافة وتنظيم أعمال القمة العربية بحد ذاته حدث يعتد به، كونه يحدث للمرة الأولى منذ العام 1964، وهذا يحمل دلالات ذات مغزى عميق سعودياً وعربياً، تؤشر الى محورية الدور السعودي عربياً فضلاً عن قيادتها لما بات يصطلح على تسميته ب"تيار الاعتدال العربي"، وتأثير ذلك على خريطة التحالفات العربية - العربية. الديبلوماسية السعودية النشطة لإنجاح القمة وتذليل العقبات من أمامها حققت اختراقاً مهماً في الملف الفلسطيني بتوقيع حركتي"حماس"و"فتح"اتفاق مكةالمكرمة، الذي أنهى الاقتتال الداخلي الفلسطيني وفتح الطريق أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، لكنها، بالمقابل، فشلت حتى الآن في تحقيق اختراق مماثل في الملفين اللبنانيوالعراقي على رغم بقاء الباب مفتوحاً أمام تطورات دراماتيكية مع إمكان ولادة مبادرة عربية - اقليمية مدعومة دولياً لايجاد مخارج مقبولة من أطراف الأزمة في لبنان وملامح خريطة طريق لحل الأزمة في العراق. ويضاف الى ما سبق بقاء الملفين السوداني والصومالي على حالهما. ومن نافلة القول التأكيد على حقيقة أن نجاح الجهد الديبلوماسي السعودي محكوم بمعدلات عربية واقليمية ودولية، فما وقع من تقدم على صعيد الملف الفلسطيني اتفاق مكة ما كان ليتحقق بتلك السلاسة لولا المباركة السورية والإيرانية. وحل المأزقين اللبنانيوالعراقي يحتاج إلى أكثر من مباركة سورية، لأن سورية معنية بشكل ومضمون الحل انطلاقاً من مصالحها العليا أمنياً وسياسياً، وفي كلا الملفين لا يمكن تجاهل وزن وتأثير الدور الإيراني. وتسعى الولاياتالمتحدة لانتزاع موقع اللاعب الأساسي في الملفات الرئيسية المدرجة على جدول أعمال القمة العربية العتيدة، بدءاً من العراق وفلسطين ولبنان وانتهاء بالسودان والصومال، وبغية ذلك بدأت بإرسال رسائل واضحة إلى القمة. أولى الرئاسل الأميركية إلى مؤتمر القمة العربية ضُمن طلباً بتعديل جوهري على مبادرة السلام العربية كي تحوز على قبول إسرائيلي - أميركي، خصوصاً تعديل البند المتعلق باللاجئين الفلسطينيين. ولا يقف الأمر عند ارسال رسالة عابرة، فالنائبان الجمهوريان نورم كولمان ولوت ترنت، والنائبان الديموقراطيان ريتشارد دوربن وفرانك لوتنبرغ تقدموا بمشروع قانون إلى مجلس الشيوخ الأميركي حول اللاجئين يعيد تحديد تعريف اللاجئين في القرار 194 ليشمل من يسميهم مشروع القانون"كل اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والخليج الفارسي من فلسطينيين ويهود ومسيحيين"، ويضعهم جميعاً على قدم المساواة من حيث الحقوق والمعاناة الإنسانية، ويدعو القرار صراحة إلى"ايضاح أن حكومة الولاياتالمتحدة تدعم كجزء مكمل لأية عملية سلام شاملة، أن تحل قضية اللاجئين والانتهاكات ضد الأقليات بطريقة تتضمن درس قضية حقوق جميع اللاجئين المشردين من الدول العربية والإسلامية، والاعتراف بالخسارة التي تعرض لها اليهود والمسيحيون والأقليات الأخرى كنتيجة للصراع العربي - الإسرائيلي". والحل الواقعي والممكن حسب مشروع القرار الأميركي توطين اللاجئين في أماكن لجوئهم أو ايجاد بلد آخر لمن يصعب توطينهم في البلد الذي يستضيفهم حالياً إشارة إلى لبنان. وفي حال إقرار مجلس الشيوخ لهذا المشروع سيصبح القانون ملزماً للحكومة الأميركية. ويترافق التوجه الأميركي السابق الذكر مع مجاهرة بعض الدول العربية بالمطالبة بتعديل مبادرة السلام العربية استجابة للطلب الإسرائيلي - الأميركي في ما يخص بند اللاجئين الفلسطينيين، ويقف على رأس هذه الدول الأردن. وعلى رغم ما أعلنه الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة 4 / 3 / 2007، ونفيه وجود نية لاجراء تعديل على مبادرة السلام العربية، قد لا يمنع هذا من أن تبادر بعض الدول إلى إعادة طرح طلب التعديل في أروقة القمة. الرسالة الثانية، موافقة الولاياتالمتحدة على حضور مؤتمر دول الجوار في بغداد بمشاركة سورية وايران، واستباق هذا المؤتمر بالضغط على الحكومة العراقية لاجراء تعديل وزاري وإعادة 85 ألفاً من مقاتلي الجيش العراقي المنحل الى الجيش الجديد، واظهار واشنطن دعمها العلني لرئيس الوزراء العراقي السابق رئيس"القائمة العراقية"في البرلمان اياد علاوي، لبناء تحالف سياسي يضم طيفاً واسعاً من التيارات السياسية الشيعية والسنّية والكردية والعلمانية، ويأخذ على عاتقه تصحيح مسار العملية السياسية ولو تطلب ذلك تغيير إدارة الدولة العراقية وإعادة توزيع المناصب السيادية والوزارية وحل البرلمان تمهيداً لانتخاب برلمان جديد يتولى وضع دستور جديد للعراق واعطاء دور أكبر لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في جهود المصالحة الوطنية العراقية. واللافت في الأمر حضور السفير الأميركي في العراق المحادثات التي أجراها اياد علاوي مع الجبهة الكردستانية، وهذا يضع تحرك علاوي في سياق"السياسة الأميركية الجديدة في العراق"، بعد الفشل المدوي لإدارة بوش على مدار السنوات الأربع الماضية. وغني عن الذكر أن التوجه الأميركي الجديد مرحب به من"تيار الاعتدال العربي". ومن المهم أيضاً في هذا السياق التأكيد على أنه من المبكر الاعتقاد بتغير جوهر السياسات الأميركية في العراق، فالمرونة التي تبديها واشنطن حتى الآن لا تتعدى تكتيكات للتخفيف من مأزقها المتفاقم هناك. الرسالة الأميركية الثالثة حول لبنان، تمثلت بالتصريحات الأميركية المتواترة والرافضة لأي حل لا يستند إلى ثنائية إقرار مشروع انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي ضمن رؤية غالبية حكومة السنيورة، وشطب المقاومة من المعادلة الداخلية اللبنانية بتحويل"حزب الله"الى مجرد حزب سياسي. الرسالة الأميركية الرابعة حول إيران، محاولة استنفار الحالة العربية والخليجية خصوصاً للاسهام في احتواء المشروع النووي الإيراني. في مواجهة الرسائل الأميركية، تركز الرياض على تظهير أجندة خاصة بتكتيكاتها السياسية، يبتعد بعضها عن الرؤية الأميركية، ففي الموضوع الفلسطيني، واشنطن غير مرتاحة للدور السعودي، ولم تدعم الرياض طلب اجراء تعديلات على مبادرة السلام العربية بالوجهة التي تطالب بها واشنطن، إدراكاً منها أن هذا سيفجر اتفاق"فتح"و"حماس"الذي وقع في مكةالمكرمة، ويقطع الطريق على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وفي الموضوع اللبناني، تبدي الرياض مرونة في ما يخص أسس تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، وإن كانت تدعم بلا شك تشكيلها، وهي لا تمانع في البحث في التحفظات عليها تحفظات المعارضة اللبنانية والتحفظات السورية والروسية والإيرانية... الخ. وأيضاً تبدي الرياض مرونة في التعاطي مع اقتراحات إعادة تشكيل الحكومة اللبنانية من دون أن يعني ذلك فتور تأييدها لحكومة السنيورة. وفي الموضوع الإيراني، استقبلت الرياض الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تأكيداً منها على تفضيلها لغة الحوار البناء مع طهران، واشراكها ايجابياً في صوغ حلول للأزمات المركبة في العراقولبنان. القمة العربية المقبلة التي تستضيفها الرياض مهمة جداً، هذا إذا لم تكن الأهم في تاريخ القمم العربية، ويتوقف على نتائجها الدور المستقبلي لمؤسسة القمة العربية، بما هي الإطار الجامع للنظام الرسمي العربي، الذي غاب عن مركز الفعل في السنوات الأخيرة لغياب الحد الأدنى من التضامن، في وقت جرى فيه احتلال العراق ودخل في جحيم حرب أهلية بفعل الاحتلال الأميركي المتواصل، وانهارت العملية السياسية والتفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتفجرت أزمة مستعصية في لبنان جرت عودة إسرائيل لاستعمال عصا حربها الغليظة ضده أرضاً وبشراً، وتناسلت أزمات السودان وواصل الصومال غرقه في حرب عبثية لا تبدو لها نهاية. هذا كله يحتاج إلى اجابات واضحة وشفافة، افتقدتها قرارات ونتائج القمم العربية السابقة التي استمرأت اعطاء انصاف اجابات جرى الرجوع عنها من غالبية الدول العربية قبل أن يجف حبرها. فهل ستستطيع قمة الرياض إخراج النظام الرسمي العربي من رتابة القمم السابقة؟ * كاتب فلسطيني