هل يحقق مارتن سكورسيزي مساء اليوم ثأره من كلينت إيستوود؟ بكلمات أخرى هل "فعلها" الخمسة آلاف وثمانمئة وثلاثون عاملاً في السينما الأميركية هذه السنة وأعطوا أكثرية أصواتهم لصاحب"المرحّلون"فاختاروه أفضل مخرج في جوائز أوسكار هذه السنة، بعدما امتنعوا طويلاً عن هذا مؤجلين موعد"مارتي"مع اسمى جوائز السينما الأميركية وربما أسمى جوائز السينما في العالم؟ سؤال يطرح منذ فترة وبات الجواب عليه على بعد ساعات قليلة. ذلك ان الحفل الضخم الذي يقام اليوم في المبنى الخاص شمال غربي لوس أنجليس، ستعلن فيه نتائج الدورة التاسعة والسبعين لتوزيع جوائز الأوسكار. وهذه المرة، من جديد، بعد أقل من ثلاث سنوات يتجابه قطبا السينما الأميركية: مارتن سكورسيزي بفيلمه"المرحّلون"، وكلينت ايستوود بفيلمه"رسائل من ايوجيما"، هما اللذان كانا تجابها ب"الطيار"للأول، و"طفلة المليون دولار"للثاني ففُضّل الأول تقنياً، فيما أعطي الثاني جوائز فنية كبرى، منها جائزة أفضل مخرج لإيستوود، الذي لم تكن تلك جائزته الأولى، أوسكارياً، على أي حال، بينما نعرف ان سكورسيزي، على رغم تحفه الكثيرة، وجوائزه التي لا تحصى في الخارج، لم يفز بها ولا مرة... ومع هذا، على رغم ان الترقب يتمحور من حول الكهلين الكبيرين، فإنهما ليسا وحدهما في الميدان. ففي حلبة التسابق سينمائيون مميزون آخرون، وأفلام كانت على أي حال خير ما لفت الأنظار طوال السنة المنصرمة. وهي أفلام، إن راجعنا لوائح أسمائها قد يدهشنا كونها الأفلام التي بدت أكثر تعبيراً عن ضمير العالم في زمننا الراهن. إذ، من جديد هذه المرة أيضاً، اختار أهل السينما في هوليوود، أن يرجحوا كفة افلام دنت من أكثر قضايا العالم إثارة للسجال، وغالباً من موقع متقدم ينظر أول ما ينظر الى الإنسان وموقعه من عصره ومن سياسات عصره. فمن"بابل"الذي يتناول الإعلام والعولمة ووحدة الكينونة البشرية بنظرة نقدية، وأسلوب تجريبي، الى"الملكة"الذي يطل على مسألة السلطة من خلال حكاية الأسبوع البريطاني القاسي الذي تلى مقتل الأميرة ديانا وشهد الصراع الخفي والعون المتبادل بين الملكة اليزابيث وطوني بلير، مروراً ب"يونايتد 93"الذي يروي، بلغة قوية وإنسانية أيضاً، حكاية المقاومة البطولية التي أبداها ركاب إحدى طائرات عملية 11 أيلول سبتمبر 2001 الإرهابية، و"رسائل من ايوجيما"الذي يصور فيه إيستوود إحدى أعنف معارك الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر يابانية، بعدما كان في فيلم سبق بأشهر، صور المعركة نفسها من وجهة نظر أميركية "رايات آبائنا"، وصولاً الى"دريم غيرل"عن صراع عنصري في عالم الاستعراض الأميركي، و"جواهر دامية"عن نهب شركات التنقيب عن الماس للأرض الأفريقية وإبادتها شعوبها، و"آخر ملوك اسكوتلندا"عن الديكتاتور الأفريقي الراحل عيدي أمين دادا... من هذه الأفلام الى تلك تتراوح اختيارات الأوسكار، ما يعني مزيداً من الدنو من السياسة وبالتالي مزيداً من الاهتمام بالإنسان بعيداً من أدلجة هذه السياسة. الى هذه الملاحظة الأولى تنطرح ثانية رئيسة أيضاً تتعلق، هذه المرة، بالعدد المتزايد لغير الأميركيين في تلك المباريات التي يفترض انها اميركية خالصة. فمن بين الخمسة المرشحين ل"أفضل مخرج"هناك اثنان أميركيان سكورسيزي وايستوود مقابل انكليزي ستيفين فريزر وكندي بول غرينغراس و... مكسيكي الرائع ألخاندرو غونزاليس اينيراتو صاحب"بابل". وفي مجال"أفضل ممثلة"تدافع ميريل ستريب وحدها عن العلم الأميركي في"الشيطان يرتدي برادا" بينما تأتي الأخريات من بريطانيا جودي دنش وكيت وينسليت وخصوصاً هيلين ميرين، صاحبة الحظ الأكبر في الفوز، ومن اسبانيا بينيلوبي كروز في تحفة بيدرو ألمودوفار"العودة". بل حتى العرب لهم حضور ما هذه المرة، حتى ولو كان ضئيلاً، بل مفتعلاً، حيث ان الجزائري رشيد بوشارب آثر، إذ اختير فيلمه الأخير"الأفارقة الفرنسيون"لخوض مباراة"أفضل فيلم أجنبي"ان يقدمه باسم وطنه الأصلي الجزائر، لا باسم وطنه بالتبني فرنسا، على رغم ان الفيلم من انتاج فرنسي... ما أغضب الفرنسيين كثيراً.