"دورة ممتلئة بالغرائب!". لعلّ هذا هو العنوان الأبرز لأوسكار هذا العام الذي تعلن جوائزه بعد بضعة ايام من الآن، في حفلة ضخمة وتجمع أبرز نجوم الفن السابع. ولعلّ في تعليق أحد النقاد السينمائيين حينما راح يتفرس في اسماء المرشحين لجوائز الاوسكار، التي تعتبر ارفع جوائز يقدمها فن السينما للعاملين فيه، خير معبّر عن هذه الغرابة، إذ قال:"أخيراً بدأت هوليوود تعترف جدياً بالغرباء". ويضيف: "على رغم ان الغرباء من شتى انحاء العالم هم الذين صنعوا هوليوود على مدى تاريخها، فان السمة الاميركية ظلت غالبة، الى حد بعيد، على اختيارات الاوسكار، مع انفتاح بين الحين والآخر على انغلوساكسون، يعملون في السينما الاميركية او يحققون افلاماً تبدو اميركية. بل ان السود الاميركيين انفسهم اضطروا الى الانتظار عقوداً قبل ان يكتشف اصحاب الاوسكار مواهبهم الفنية". صحيح ان سيدني بواتييه نال أوسكاراً في ستينات القرن الماضي، لكنه كان اسود البشرة فقط... أما حين فازت هالي بيري، السوداء المرتدية ثوباً من تصميم اللبناني ايلي صعب، قبل ثلاثة اعوام بأوسكار افضل ممثلة فاعتبر الأمر حينها خرقاً للمألوف. تأثر مزدوج هذا العام هناك سود كثر مرشحون. وهناك فرنسيون وانكليز وكثير من"الغرباء"الآخرين، حتى أن الأمر يبدو وكأن هوليوود تعيش من خلال الاوسكار- ثورة حقيقية. بل اكثر من ثورة. فالحقيقة انه، الى جانب قضية السود والغرباء الآخرين هناك ايضا نوعية الأفلام التي حظيت باكبر عدد من الترشيحات، وتبدو المرجحة حقاً للفوز: انها نوعية رائجة في ايامنا هذه: افلام السيرة. أي الأفلام المتحدثة عن سيرة اناس حقيقيين عاشوا القرن العشرين وكانت لهم مكانتهم فيه، فناً وسياسة ومالاً واعمالاً وربما غرابة اطوار أيضاً، وحان الوقت لتناول سيرتهم. وفي هذا الاطار يبدو اذاً ذا دلالة ان تبدأ هوليوود بنفسها، عبر سيرة حياة هوارد هيوز الطيار ? المنتج -المجنون الذي حقق عنه مارتن سكورسيزي آخر افلامه بعنوان "الطيار". ومن المؤكد ان نجاح هذا الفيلم شعبياً ولدى النقاد يتضافر مع نجاحه في الترشيحات الاوسكارية 11 ترشيحاً ما يجعله أقرب الى ضرب الارقام القياسية، ليشكل ثأراً مزدوجاً، من ناحية لهوارد هيوز نفسه على هوليوود التي حاربته طويلاً في الماضي، ومن ناحية ثانية لمارتن سكورسيزي، الذي يفاجأ المرء اليوم عندما يعرف انه لم يفز بأي أوسكار من قبل عن أي فيلم من روائعه. هذه المرة رشح سكورسيزي لأفضل مخرج، ورشح فيلمه لأفضل فيلم بين ترشيحات أخرى. لكن عليه كي يفوز، ان يتبارى مع افلام اخرى من الوزن الثقيل، ما يجعل الأمر يبدو اشبه بحرب جبابرة: ففي فئة أفضل فيلم هناك في مقابله سيرة راي تشارلز "راي" لتايلور هاكفورد وسيرة مؤلف بيتر بان العثور على نيفرلاند" وهناك فيلم كلينت ايستوود عن تدريب ملاكمة شابة مليون دولار بايبي، ثم هناك في شكل خاص "سايد وايز"طرق جانبية لألكسندر باين، التحفة الصغيرة التي تدور في عوالم الحب والصداقة والنبيذ، والتي سبق ان فازت بالجائزة الكبرى في مهرجان مراكش الأخير. الأجانب بالجملة اربعة من هذه الافلام يخوض ابطالها مباراة جائزة أفضل ممثل، وهم جوني ديب العثور على نيفرلاند وكلينت ايستوود مليون دولار بايبي- علماً ان ايستوود مرشح ايضاً لجائزة أفضل مخرج عن الفيلم نفسه - وليوناردو دي كابريو عن "الطيار" ودون شدل عن" أوتيل رواندا" واخيراً جيمي فوكس عن "راي"- علما أن الأخيرين أسودان، وان فوكس مرشح ايضاً لفئة افضل ممثل مساعد عن دوره في "كولاتيرال". هنا أيضاً تبدو المعركة معركة جبابرة... حظ السود فيها كبير، في مقابل معركة افضل ممثلة حيث ثمة اثنتان اميركيتان، في مقابل ثلاث أجنبيات: الاميركيتان هما هيلاري سوانك عن فيلم "مليون دولار بايبي" وسبق لها ان فازت بالأوسكار قبل 5 أعوام عن "الصبيان لا يبكون" وآنت بيننغ، وهي مرشحة عن دورها في فيلم "ان تكوني جوليا". اما الاجنبيات فهن كولومبية كاتالينا مورينو، عن فيلم "ماري الممتلئة نعمة" والانكليزيتان كيت وينسليت عن "الاشراق الابدي للعقل الخاوي" من اخراج الفرنسي ميشال كودري وايملدا ستانتون عن "فيرا درايك" لمواطنها مايك لي. صحيح أن حظوظ سكورسيزي وايستوود كبيرة عن فئة الاخراج، لكن قد يكون الكسندر باين الفائز عليهما عن "طرق جانبية"، ذلك ان هذا الفيلم يحقق نجاحاً نقدياً وجماهيرياً كبيراً، منذ عرضه، بحيث انه، ومخرجه قد يكونان فلتة الشوط. ولو فعلها باين، سيكون فوزه ظاهرة، بداية لصغر سنه نسبياً، في مقابل مخضرمين يخوضونها ضده منهم ايضاً مايك لي وتيلور هاكفورد، ولكونه أيضاً لا يزال في فيلمه الرابع... ثم لكون فيلمه كان مجازفاً اول الأمر، اذ من يهتم بفيلم هو عبارة عن رحلة في ارض صناعة النبيذ في كاليفورنيا؟ ثورة في هوليوود واذا كان السود حاضرين في فئة أفضل ممثل، وكذلك من خلال حكاية حياة راي تشارلز في "راي" فانهم حاضرون ايضاً في فئة افضل ممثل مساعد من خلال جيمي فوكس، ثم مورغان فريمان- في "مليون دولار بايبي". أما الفرنسيون فحاضرون من خلال الترشيح المتواضع لفيلم ميشال كودري، ولكن ايضاً من خلال ترشيح ممثلة فرنسية - تكتب السيناريو ايضاً - هي جوليا ديلبي عن مشاركتها في كتابة سيناريو "قبل المغيب". ومن فرنسا ايضاً ترشيح تقني لفيلم "يوم أحد طويل لخطبة". وايضاً وايضاً تحضر من خلال ترشيح فيلم "فتيان الكورس" لجائزة أفضل فيلم اجنبي. في مواجهة الألماني - عن هتلر - "السقوط" والسويدي "كما لو اننا في الجنة" والجنوب افريقي "أمس" والاسباني الاستثنائي - والمرجح للفوز أكثر من أي فيلم آخر - "البحر في الداخل" لأليخاندرو أمينابار. وطبعاً ليس ثمة متسع هنا للخوض في تفاصيل تقنية أكثر. ولكن يكفي ان نقول انها تكاد تكون المرة الاولى التي تميز الجودة - والنخبوية حتى- أفلام الاوسكار، بدءاً بالروائع المنتمية الى فئة الرسوم المتحركة وابرزها "شريك"، و"الخارقون" وصولاً الى افلام حميمة. والسؤال المطروح منذ الآن، وفي انتظار اعلان النتائج آخر الأسبوع المقبل هو: هل تعلن اوسكارات هذا العام ثورة هوليوودية جديدة؟