كما كان متوقعاً على نطاق واسع اثمرت جهود المملكة العربية السعودية بتوقيع اتفاق بين حركتي "فتح" و "حماس" في التاسع من الشهر الجاري تتويجاً ليومين من المحادثات برعاية العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فتح نافذة امل للفلسطينيين، يعولون عليها في اخراجهم من محنة الفرقة والاقتتال، وحال الفوضى والفلتان الأمني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بفعل استمرار الحصار الجائر، لكن ورغم كل ما سبق سيبقى الجهد السعودي والعربي عموماً مطلوباً من أجل المساعدة في تطبيق ما تم الاتفاق عليه، وقبل كل هذا دور كل الفصائل والقوى ومؤسسات المجتمع المحلي الفلسطيني من موقع الشراكة لا من موقع الاسناد فقط، فالتجربة المعاشة على امتداد الاشهر السبعة الاخيرة دللت على ان العقلية التي تحكم قيادتي"فتح"و"حماس"عقلية احتكارية، وفي أحسن الأحوال لا تخرج عن منطق المحاصصة في احتكار السلطة ومؤسساتها، وفي الكثير من الاتفاقات السابقة بين حركتي"فتح"و"حماس"لإعادة تقاسم احتكار السلطة تمت التغطية على الخلافات السياسية الشائكة بصيغ حمالة للأوجه، سريعاً ما انهارت الاتفاقات بسببها، من هنا فإن العمومية التي صيغت بها البنود السياسية في اتفاق مكةالمكرمة تحمل محاذير كثيرة، حيث لا قيمة للاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس منطق المحاصصة، لأن المشكلة أعمق بكثير من مجرد توزيع الحقائب الوزارية، وتتعلق جوهرياً بالبرنامج السياسي للحكومة المنشودة كأرضية للشراكة السياسية. لماذا نجح المتحاورون في مكةالمكرمة في الاتفاق بعد ان فشلوا في حوارات غزةودمشق أو بشكل أدق تطبيق نتائجها على الأرض، خصوصاً انه اذا ما عدنا الى نص البيان المشترك لعباس ومشعل في دمشق 21/1/2007، وورقة المحددات بين عباس وهنية 11/9/2006، والحلول التي اقترحها الوسطاء الفلسطينيون والقطريون، ومشروع لجنة الصياغة المنبثقة عن لجنة الحوار الوطني مطلع العام 2007، نجد ان اتفاق مكةالمكرمة يتقاطع معها الى درجة التطابق. ان رفض منطق المحاصصة والإصرار على الشراكة السياسية كأساس لحكومة الوحدة الوطنية المنشودة، هو فقط ما يحصنها من السقوط أمام اي هزة سياسية أو أمنية مقبلة، ويمكنها من القيام بما هو مطلوب منها على الصعد الاصلاحية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً ان اللقاء الثلاثي بين رايس وعباس واولمرت شكل اختباراً مهماً لاتفاق مكةالمكرمة، من حيث التزام محمود عباس بالصمود أمام الضغوط الأميركية والاسرائيلية الهادفة للعودة الى مسار الحلول الجزئية والمنقوصة، والشروط الاسرائيلية والأميركية المتبناة من الرباعية الدولية. والجهد العربي الموحد لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني يمثل بدوره اختباراً صعباً، يقع في جانب كبير منه على عاتق المملكة العربية السعودية راعية الاتفاق، في بذل مسعى لدى الدول العربية التي لم تلتزم بقرار مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة، والقاضي بفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، والجهد يجب ان يتركز مع كل من الاردن ومصر، واقناع الرباعية الدولية، وواشنطن على وجه التحديد بعدم التخريب على اتفاق مكةالمكرمة، واعطاء حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية فرصة من خلال رفع الحصار عنها. يضاف الى ما سبق، ويدعو الى التفاؤل باستمرار الجهد العربي الداعم لاتفاق غزة، وتذليل العقابات التي قد تنشأ في طريق تنفيذه، ان السعودية التي ستستضيف في النصف الثاني من آذار مارس المقبل القمة العربية، معنية مباشرة بمتابعة جهودها، لأن على ذلك يتوقف نجاح القمة العربية، وكذلك فإن الموقفين السوري والمصري يصبان في الاتجاه ذاته ، رغم وجود خلافات في الرؤية السياسية للدول الثلاث. ومرة ثانية يرتبط توظيف الجهد والدعم العربي بشرط التزام حركتي"فتح"و"حماس"بتطبيق ما تم الاتفاق عليه، وان يوضع الاتفاق في إطار التوافق الوطني الفلسطيني الشامل المعبر عنه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني حزيران يونيو 2006، واتفاق القاهرة آذار مارس 2005، والاستفادة من دروس الاشهر الاخيرة، وأول هذه الدروس انه لو تم الالتزام بما تم التوافق عليه سابقاً على الصعيد الوطني، وبين حركتي"فتح"و"حماس"، لكان ممكناً منع تطور الاحتقان السياسي والأمني الى اقتتال دموي بين الحركتين، وتوفير دماء ثلاثمئة قتيل ومئات الجرحى وتدمير الممتلكات العامة والبنية التحتية لقطاع غزة. حوار الفرصة الاخيرة في مكة بين حركتي"فتح"و"حماس"أثمر عن اتفاق أزال العقبة الرئيسية من أمام الحوار والاتفاق الوطني الشامل، والأهم ان يتم الدفع به قدماً لامتلاك استراتيجية فلسطينية موحدة، لتجاوز مساوئ اتفاقات اوسلو، واعادة بناء العملية السياسية والتفاوضية على أساس قرارات الشرعية الدولية والعربية، ورفض العودة الى متاهة الحلول الجزئية والمنقوصة، واعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، مرجعية الفلسطينيين في الوطن وبلدان اللجوء، ومواجهة الخطط والمشاريع الاسرائيلية المدعومة اميركياً للانتقاص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. انه اختبار يرقى الى مستوى التحدي على الفلسطينيين ان يكونوا أهلاً له، لأن ذلك سيحدد مصير قضيتهم الوطنية الى فترة طويلة مقبلة في فترة عصيبة لا يسير فيها الزمن لصالحهم. * كاتب فلسطيني